استطلاع – منال العويبيل
إنَّ توافر العديد من العوامل المشتركة في منطقة الخليج العربي يعزز وجود منظومة من التفاعل الإيجابي على الصعيد السياسي (ممثلاً بمجلس التعاون الخليجي)، والجانب الرياضي (عبر عدد من البطولات الدورية)،إضافةً للتقارب الاجتماعي الذي أفرز العديد من العلاقات، أجلاها المصاهرة بين الدول.
وإذ نتساءل اليوم عن تشكّل ملامح واضحة لما يمكن وصفه بثقافة خليجية مشتركة تحمل خطوطاً من التقارب، نستطلع بعضاً من الرؤى الداخلية النائية عن تنميط الخارج الذي حصر المبدع الخليجي لفترات طويلة بإطار ثقافة نفطية مترفة!.
بدايةً تقول الشاعرة البحرينية وضحى المسجن عن مدى تشكّل ملامح ثقافة خليجية مشتركة حالياً بأنَّ ملامح الثقافة، سواء كانت في الخليج أو في أي منطقة أُخرى تتعلق بالمعطيات التكوينية للمجتمع، والثقافة في الخليج تشكلّت ملامحها عبر مراحل عديدة وصولاً لثورة الحداثة في الستينات، ثم المجتمع الرقمي، لذلك لا يمكن تجزئة الثقافة بشكل تجييلي، بحيث تكون فيه فئة الشباب من المثقفين ذات خصوصية منفصلة تماماً عن الجيل السابق، فظهور النفط في فترة الثلاثينات والأربعينات وما أعقبه من تطوّر في البيئة الاجتماعية، لابد أنه ترك أثراً على البنية الثقافية، كما أن فترة المد الثقافي في الخمسينيات والستينيات أحدثت موجات تحررية على الصعيد السياسي والاجتماعي ما جعل منطقة الخليج تخرج من طور المجتمع المحافظ لمجتمع أكثر انفتاحاً.
ملامح الثقافة في منطقة الخليج في الوقت الراهن بدأت بالنكوص، من خلال عودتها للطابع الديني المُحافظ، وهذا الطابع الذي اكتسبته ثقافة هذه المنطقة في الوقت الحاضر يرجع لكون جيل الشباب جيلا تشكّل في فترة صراعات، حرب الخليج، ثورة إيران واستحضارها للجانب الديني، كل ذلك جعل المجتمع الخليجي يتراجع عن مكتسبات الستينات. إضافة إلى أن سقوط الأيدلوجيات الكبيرة جعل المثقف الحالي يحتفظ بأيدلوجية أخرى وهي الأيدلوجية الدينية رغم إغراءات الأيدلوجيات الأخرى.
وتتابع المسجن قائلة: لعل في نظرية النقد الثقافي كما طرحها الدكتور الغذامي، وكما تبنّاها العديد من المثقفين الشباب في الخليج، بما تحمله من فكرة (تصحيحية) وأخلاقية، دليل جيد على ملامح تشكّل هذه الثقافة في منطقة الخليج الآن.وعن تأثير الأجيال السابقة في الجيل الحالي وأبرز الإشكالات التي تجاوزها هذا الجيل مقارنة بالسابقين بما عزز تقارباً خليجياً أكبر على الصعيد الثقافي، تقول المسجن: مسألة تجاوز المنجز فيها شيء من اللامعقولية، ليس لأن المنجز مميز بحيث لا يمكن تجاوزه، ولكن لأن الثقافة شأنها شأن أي بنية مجتمعية، تسير بشكل تراكمي يتأثر فيه اللاحق بسابقه، ويُضيف إليه، أو يقدم مختلفاً عنه لكن مستقٍ منه كقاعدة أولى.
أما أبرز النقاط المشتركة حالياً، والنقاط التي مازالت قيد الاختلاف على صعيد الثقافة الخليجية فترى المسجن أن جوانب الاقتراب أو الاختلاف تختلف من جانب إبداعي لآخر، وتختلف كذلك من شخص لآخر، بشكل يصعب التنبؤ فيها. لكن ما يظهر من ملامح التقارب أو الاختلاف بين الجيل الحالي والجيل السابق، يمكن أن أقول فيه أن الجيل الحالي أقرب إلى استيعاب اللغة، وأكثر اقتراباً من الشعِرية على الأقل في لحظة النتاج الإبداعي والشعِري خصوصاً، كما أن علاقته بالدين أقل تعصبيّة، وهذا ما يجعله أقل اعترافاً بالمحاذير في الجانب الإبداعي.
وتضيف: الثقافة في منطقة الخليج محكومة في عمومها بالالتصاق بالموروث والتقاليد أكثر من غيرها من بلدان الوطن العربي، ومن جانب آخر فهي مناطق كسولة في الحراك الثقافي لذا يلزمها وقتاً لتقدم منجزاً ثقافياً يمثل هذه المرحلة خصوصاً في ظل ما يحدث من نكوص عما حققه الجيل السابق، وعدم الإضافة إليه بشكل جدّي. على أن هذا الكسل في الجانب الثقافي بحسب المسجن يعد ميزة مهمة من جهة كونها تسير في حركتها الثقافية ببطء، مما يجعلها أكثر ثباتاً وأكثر إمكانية في تقديم نتاج ثقافي فاعل.
وحول الاختلاف بين وتيرة الانطلاقة بين المثقف والمثقفة الخليجية، وهل هي ذات الأسباب المعيقة للجيل السابق تقول: الذكورة والأنوثة يمثل كل منهما هوية ثقافية، والانطلاقة مسألة نسبية بالنسبة للمثقف والمثقفة، وكل ما هنالك أن التنظير للفحولة في الأدب والثقافة جعلت واقع الحياة الثقافية ذكوريا، فإمكانية وجود المثقفات يُخطئنّ مقولة «ليس في الإبداع أنوثة» ليس مستحيلاً غير أن انسياق المثقفة في اللاوعي لنظرية المتن والهامش، التي أسست لكون الأدب الحقيقي أدب الرجال، وأن المرأة لا يمكنها تكوين مشروع ثقافي حقيقي، خصوصاً مع مستوى تقبل المجتمع الخليجي لوجود المرأة المثقفة و الأديبة بالتحديد.
وحول البلدان الخليجية التي ترى المسجن أن مثقفيها نالوا النصيب الأكبر من الضوء والجودة الإنتاجية، والأشكال الثقافية التي أخذت تحظى بالاهتمام أكثر من غيرها، تقول: الفعل الثقافي في الوطن العربي ككل بما في ذلك منطقة الخليج يتصاعد بشكل مستمر، لكن تفعيل الحياة الثقافية يتطلب حركة إعلامية أكبر، بالنسبة لمجتمعات تشكل الثقافة بالنسبة إلى غالبية أفرادها جانبا هامشيا. فيما يتعلق بالإنتاج الأدبي تشغل المملكة السعودية دورا مميزا مختلفا عن باقي دور منطقة الخليج، رغم كون الحراك الثقافي فيها محكوما بطبيعة البنية المجتمعية المحافظة.
نجد ذلك فيما قدمه عبده خال وعبدالرحمن منيف على في الجانب الأدبي الروائي وتتساءل (هل هناك فعل ثقافي في أي دولة خليجية قدم نتاجاً كهذا؟) وتقول: هناك ربما في المشهد الثقافي البحريني أدباء قدموا نتاجاً مميزاً. لكن الفعل الثقافي في منطقة ما لا يؤخذ في جانب واحد مثل الشعِر أو الرواية أو المسرح، لابد أن يؤخذ في الاعتبار أيضاً حركة التنظير الثقافي لهذه النتاجات، وربما هذا ظاهر بشكل أكثر اكتمالاً في السعودية من خلال حركة النقد الثقافي التي قدمها الغذّامي (بغض النظر عن وجهة نظر بعض المثقفين مما قدمه الغذّامي). ولم يتضح تماماً في باقي دول المنطقة.
وتخلص المسجن إلى أن الموازنة صعبة عموماً بين نتاجات هذه الدول بسبب تأخر النهضة الثقافية لدى بعض هذه الدول، فسلطنة عمان مثلاً يصعب أن نضع نتاجها الثقافي في مقارنة مع غيره من الدول في الخليج؛ لأنها قضت وقتاً طويلاً في مرحلة انغلاق بحكم طبيعة الحياة في عهد تيمور آل سعيد، والتي تركت بدورها تأثيراً على البنية الثقافية في عُمان.
وفي مجال الشعِر تشهد المنطقة نوعاً من الطفرة بحكم الثورة المعلوماتية، لذا فالنتاجات الشعِرية لفئة الشباب تكوّنت بشكل غير متدرج و أحياناً غير واع بعكس تجارب الجيل السابق التي كانت نتاج اشتغال ثقافي فعلي.وحول إذا ما نجحت السياسة والرياضة في تكوين تقارب فشل فيه المثقفون تقول المسجن: الثقافة فعل مضاد للسلطة، بمعنى لا يمكن إدراجها ضمن شكل مخطط كما هي أمور الشأن السياسي، وهذا يُبقى اهتمام المؤسسات السياسية بالثقافة ظاهريا، باعتبار صعوبة إعطاء الثقافة توجها محددا مُسبقاً وفقاً لتوجهات فكرية معينة.
ومن جهتها توضح الروائية الكويتية ميس العثمان رؤيتها حول تشكّل ملامح ثقافة خليجية مشتركة، إذ ترى أنَّ روح الشباب مشتركة كتابيا شئنا أم أبينا، فنرى من خلال قراءاتنا لمختلف أوجه الكتابة والإبداع نمطاً متقارباً من المفردات والحالات والتوجهات، الأمر الذي عزز من حضورها وتواجدها هي كل الأحداث المتعاقبة التي مرّت ولا تزال تمرّ علينا كجيل متقارب مكانياً وإقليمياً، كذلك القراءات التي صارت متشابهة متقاربة إلى حد كبير، نتيجة لتلاقي الأذواق الذي سببه التواصل الجيد جداً، والعجيب الذي قدمته شبكة الإنترنت، والمنتديات والمواقع الشخصية، تلك التي تبحث عما هو جديد ومميز، ومن خلالها ينصح المبدعون بعضهم بضرورة قراءة المادة الجديدة التي تستحق.
وتضيف العثمان بقولها : الأجيال السابقة مدارس اجتماعية إبداعية، لكل منهم طريقته ونمطه التي شغلت القراء لفترات ليست بالقصيرة من الزمن، وربما يمتد تأثيرها إلى يومنا الحالي، وقطعاً صبّت عصارتها في كتاباتنا الحالية، إنما هذا لا ينفي أبدا أن لمبدعيّ الوقت الحالي مدارسهم الخاصة أيضاً، والتي لها رؤيتها الخاصة تجاه الأشياء والأماكن والأزمنة والمشاعر والوصف، أما بالنسبة للإشكالات التي كانت تعترض من سبقنا، فهي قلة التواصل الذي نراه اليوم متسارعاً، ويحدث في أقل من جزء من الثانية، هذه الشبكة الوسيطة التي قرّبتنا من بعضنا، وقربتنا إبداعياً من دور النشر التي كان السفر إليها هو الحل الوحيد لمباشرة طباعة كتاب جديد، فكم من الأصوات/ الأقلام/ الأصدقاء صرنا نلتقي خلال أسبوع واحد!.
أما أبرز النقاط المشتركة حالياً، والنقاط التي مازالت قيد الاختلاف على صعيد الثقافة الخليجية فتقول العثمان: الهم الإنساني هو النقطة المشتركة بلا شك، وتبقى الكثير من النقاط قيد الاختلاف، ولا أستطيع تحديدها لأن لكل مبدع همّه الأوحد كتابياً، ونظرته تجاه الأشياء والحالات.وحول تفاوت الفاعلية بين المهتمين بالشأن الثقافي نساءً ورجالاً تقول العثمان: سبب الاشتعال/ الانطلاقة لدى المبدع والمبدعة الخليجية هي واحدة، وأتحفَّظ على كلمة مثقف، إذ ليس كل مثقف مبدع، والعكس صحيح، سبب الانطلاقة غالبا ما تكون صرخة ما، فكرة جديدة عن السائد، نمط حياة، انتفاضة كبرى، كل هذا وربما أكثر بكثير، أسباب الإبداع وفيضه في أي جيل كان.
وحول البلدان التي نال مثقفوها النصيب الأكبر من الضوء تقول العثمان: الإعلام يا عزيزتي يحدد الأولويات، ورغم ما تحمله هذه الحقيقة من وجع لكنها دائمة الحدوث، نراها مجسدة يوميا في الصحف والمجلات والصفحات الثقافية والأخبار والمنتديات والتحليلات، نرى البعض قد نال ما ناله من شهرة وضوء وفرش إعلامي لائق جداً بما يكتبه وبفكره الخاص، والبعض الآخر يشعر ويعرف تماما بأن هذه الهالة الإعلامية لا تناسبه ويتحسس صغره بداخلها، بل لا يكون قادرا على استيعاب حجم الضوء المحيط به، هكذا هي العملية الإعلامية والخبطات الصحفية وغيرها، ويظل القارئ الحقيقي هو القادر على تحديد أيهم الأفضل.
أما أبرز الأشكال الإبداعية التي حظت بالاهتمام فتقول عنها: لا أظنني قادرة على تحديد أي منها يحظى دوناً عن غيره بالاهتمام الأوسع، إنما بدأت ظاهرة جميلة، وهي تزاوج الفنون ببعضها، وتنم عن وعي خاص، بحيث صار هناك مسرح شعري، أو تشكيل فني تصاحبه نصوص سردية، أو أي نشاط إبداعي يصاحبه نشاط على الهامش يشبه المعرض وحفلات للتوقيع وغيره، وإن كنت أرى أن للشعر متذوقيه، وللسرد الروائي تحديداً عشاقه.
وترفض العثمان فكرة تفوق السياسة والرياضة في خلق تقارب فشلت فيه الثقافة، فتقول: إنني أرى أنَّ المثقفين العرب والخليجيين تحديداً وصلوا دون منظمات رسمية إلى تقارب إنساني رائع جداً، فشلت فيه للأسف أعتى المنظمات والحكومات، فليس أجمل من تحرّك إنساني حقيقي خالص يهدف إلى شيء نبيل.