وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الاثنين، ربيع الآخر ٠٨، ١٤٢٩

حوار// مؤلف (روتين) عبدالواحد اليحيائي


مؤلف (روتين) عبدالواحد اليحيائي:

حين ننشر إلكترونياً نقف أمام خشبة المسرح مباشرة

موت الرقيب يتيح مجالات كبيرة للتجريب والمخالفة


غلاف روتين

حاورته: منال العويبيل
.
(روتين) أول إنتاج سردي للكاتب عبدالواحد اليحيائي، صدر مطلع العام 2008م عن دار المفردات متوجاً تجربته القصصية عبر الشبكة الالكترونية. اليحيائي أطلق وصف «صور قصصية» على هذا الإصدار الذي يجيء بعد تجربته الفكرية في إصداره الأول (مراجعات الماشي)، والذي يُنتظر تدشين طبعة ثانية منه خلال الفترة القادمة.. وبين صولات السرد وجولات الفلسفة كان لنا معه هذا اللقاء.
.
.
(1)
(نصٌ على نص)
في مقدمة (روتين) سيجد القارئ نفسه مع مسلك غير تقليدي لإهداء واسع، بحالة أشبه ما تكون لولوجه منزلاً يبدأ بمجلسٍ حميم لا يسبقه مدخل، وإن اختلف الأمر عن مجرد الإحصاء، إلا أنه احتل ما يصل إلى الصفحتين والنصف بتفاصيلٍ دافئة خلقها حضور زوجة المؤلف الموازي لدورها المعاش: بطلة! فظهر الإهداء بحميميةِ مضيفٍ (نص كامل) يأخذ القارئ بودية لحجراتِ النصوص الأخرى.
.
«وحيدٌ إلا من طيف متجدد لهذه المرأة التي ملأت حياتي فرحاً وأنساً ونظاماً رغم كل شيء. هذه المرأة التي يعنيها ألا يزعجني أحد، وألا يقلق راحتي أحد، وألا أسمع كلمة غبية من أحد»
روتين ص6
.
.
أما السؤال لعبدالواحد فكان: قدَّمت إهداء (روتين) لزوجتك.. لأي مدى كان لها حضور داخل الثنايا؟ ولأي مدى انتقلت الشخصيات بصفة عامة من اللحم والدم إلى الورق؟ ليجيب: الفن تجربة ومحاكاة ومعرفة عموماً، أين نصيب التجربة، وأين المحاكاة، وأين تجلت المعرفة الخالصة؟ لعل ذلك بعض ما يقوم به الناقد المتخصص، ومن هنا جاء قولهم إن معرفتنا الشخصية بالمبدع قد تفسد العمل في حسّنا كقراء وأيضاً قد ترتقي به طبقاً لما نعرفه عن تجربته، وما قد يخبرنا به مباشرة عن محاكاته لبعض الأحداث والشخصيات أو معرفته وثقافته الخاصة. كلنا ضد أن يُحَمّل (القاص) نتائج تصرفات (شخصيات) عمله أو تعاقب الأدوار و(أحداث) الزمان والمكان في هذا العمل، لكننا مع ذلك لا نستطيع نسيان أننا نكتب –كما أسلفت– ما جربناه وما أحسسنا به. وبالتأكيد لزوجتي حضور في غالب (الصور) التي تناولت الأسرة الصغيرة في هذا العمل. ولعلي حاولت أن أكون في هذه الصور مشغولاً بإنسان اللحم والدم كما هو في واقعه أكثر من حرصي عليه كما أريده أن يكون، أو كما أتمناه، أو كما أحاول افتراضه. الإنسان القريب مني: أنا، صديقي، أختي، أمي، أخي، زميلي في العمل، سكرتيرة رئيسي، زوجتي، ابنتي...الخ.
.
.
.
(2)
(النص الحافي)
حين سئل المخرج المسرحي والموسيقار (أسامة الرحباني) عن أهمية الاتجاه الواقعي في إنتاج الفنون بما يعكس الحياة المعاشة بأسلوب حَرْفِي أو ربما احترافي قال: من أراد الواقعية فلن يعدم إيجادها في الفن وبمستويات مميزة، أمّا من يريد الوثائقية الحرفية فليفتح نافذته ليراقب الحياة ويكتفي بذلك!
.
عبر (روتين) نجد الخط المباشر في التعاطي مع التفاصيل يأخذ طابعاً عادياً (جداً ربما)، حيث تتنقل بنا في مسارات تخلو من الدهشة التي تخبئ مفاجأة ما للقارئ، ولا يخلو الأمر من توقع النهاية التي تتجه لها بعض النصوص. فخلال الصور القصصية يبرز طابع اليحيائي المباشر في التعاطي مع بعض الشخصيات أو المواقف بما وسم أغلبها بطابع مفرط الواقعية حد الوثائقي في البعض الآخر، والذي قد يُظهر دوره كموثق لصور واقعية أكثر منه كمؤلف، ليوضح الأمر لنا بقوله: أردتها صوراً ولم أردها حكايات، وأردتها موثقة باللمحة السريعة وليس السرد المتصل والمفصَّل للعلاقات المتشعبة بين الأشخاص والأشياء والأفكار كما نفعل عادة في حكاية سواء أكانت قصة حكائية قصيرة أو رواية. أردت اقتناص الإنسان في بعض لحظاته، لحظة قد تطول قليلاً لكنها أقل تعقيداً من حكاية، وقد تقصر ولكنها تبحث عن طبع إنساني في شخصية إنسان عام يوجد هنا في الرياض، ويوجد بالقدر نفسه في برلين، أو نيويورك، أو فيتنام، أو تونس. هل يختلف الحب أو الألم الإنساني هنا عما هو موجود فعلاً في مناطق أخرى من العالم؟ لا أعتقد ذلك، قد يختلف في أسبابه ودواعيه لكن طبيعته واحدة لا تتغير. والواقعية مذهب أدبي له جدواه الكبيرة، ولعله أكثر التصاقاً بالإنسان سواء حين تقدمه بما يقدم عليه من تصرفات، أو بما يشغله من أفكار وطموحات وآراء تنعكس سلباً وإيجاباً على هذه التصرفات.
.
.
.
(3)
(عاش القارئ..مات المؤلف)
.
يركز العديد من النقاد وفي مقدمتهم (رولان بارت) على أن قارئ أي نص هو المبتغى والغاية المقصودة من وراء كل نص مكتوب بلا أدنى ريب، بحيث يكون هو غاية الكتابة وبغيره لا يصبح للنص فائدة تذكر. وبعيداً عمن قد يختلف أو يتفق مع هذه النظرية الشائكة ربما، نجد أن تصنيفات القراء في حد ذاتها باتت تأخذ أشكالا مغايرة عن تقليدية الاتجاهات: نخبوي وعادي، متذوق وباحث، وغير ذلك... .حتى نصل لاتجاهين فرضتهما ثورة الاتصالات باتت تتمثل في القارئ الالكتروني وقارئ المطبوع. ما بين تجربة النشر الكترونياً والإصدار المطبوع.. ما الذي يختلف بين قارئ الأول والثاني بالنسبة لليحيائي، ليجيب: حين ننشر الكترونياً فنحن نقف أمام خشبة المسرح مباشرة.. وحين نصدر مطبوعاً فنحن نوثق لمرحلة ما من أفكارنا، كما فعلنا مع النشر الالكتروني، لكن لن نحصل على رد الفعل المتوقع مباشرة وبطريقة سريعة كما هي الحال مع النشر الالكتروني. وأيضاً هناك قضية أخرى مهمة هي موت الرقيب الخارجي الكترونياً، وموت هذا الرقيب يتيح مجالات كبيرة للتجريب والمخالفة في بعض الأحيان. أما بالنسبة للقارئ فأعتقد أن القارئ الالكتروني (إن صحت تسميته بذلك) أكثر تقبلاً وانفتاحاً؛ بحكم متابعته شبه اليومية لكاتبه المفضل، وفي أكثر من موقع حواري أو ثقافي، وهو أيضاً أكثر تخلصاً من مآزق التصنيف والتحديد ومذاهب النقد ومدارس التفكير في الشرق والغرب. أما قارئ الإصدار المطبوع فهو في الغالب وبحكم متابعته للفكر في أغلب تنوعاته ومكتوباً أكثر منه مرئياً على شاشة حاسب آلي أكثر نخبوية وأكثر قدرة على تحديد صور الجمال والقبح في إبداع إنساني.
.
.
.
(4)
«أشياؤنا كامنة فينا هناك من يبعثها من جديد»
روتين ص25
.
هل يبدو من المبالغة في شيء إن قلنا: منذ بروز ظاهرة أحلام مستغانمي الروائية واللغة خيار ركيز في التجارب السردية. يخف حيناً أو يزيد، لكن غيابه بات استثناء. وخلال (روتين) نجد أن مداخل النصوص/ الصور كما المقطع السابق قد تكون الوحيدة التي اكتنفها شيء من الشاعرية في اللغة على مدى الكتاب. فهل هو موقف مقصود من اليحيائي تجاه نوعية اللغة في السرد؟ أم أنه رأى أن نوعية النصوص لا تحتمل هذا النسق من الشاعرية، يجيب: لا موقف محدد تجاه اللغة التي يكتب بها الكاتب، بمعنى أنني لا أرى أن هناك طريقة في الكتابة تتناسب تحديداً مع هذا التصنيف الفني أو ذاك. موقفي هو مع حرية الكاتب في أن يكتب بالطريقة التي يعتقد أنها تقدم أفكاره أو ما يريد التعبير عنه عموماً بطريقة أجمل. وكلمة (أجمل) هنا قد تشمل الوضوح أو الشاعرية أو مدى أكبر من الوحي والإيحاء أو غير ذلك مما يسعى إليه المبدعون. تعريف الشاعرية في نص أيضاً قضية تحتاج إلى تعريف، هل المقصود الكتابة بلغة شعرية تشغل نفسها والقارئ بخيال أو حلم أو أمل ما؟ أو أن نكتب بعيداً عن خيال مفترض وبكلمات بسيطة تنقل القارئ إلى مجال متخيل يهبه مسؤولية ما بعد وصول رسالتنا الفنية إليه؟ لعلي كنت مشغولا بالفكرة الثانية أكثر من الأولى في صور (روتين) ، وقد يأتي العمل القادم مختلفاً في كثير أو قليل.
.
.
.
(5)
«قد يتقبل الكثيرون النصح، لكن الحكماء فقط هم الذين يستفيدون منه»
بابليليوس سيرس
.
لم يعد الإعراض عن التجربة الالكترونية خياراً حكيماً ينهجه المبدعون، كونه قد يساهم _ودون أي مبالغة_ في جودة العمل، وتسويقه، وربما أكثر من ذلك.. لا أقل!وفي اتجاه أكثر تحديداً للكتّاب الالكترونيين _إن أمكن الوصف_ بات تدشين ما ينشرونه عبر الإنترنت على فترات مختلفة عبر المنتديات أو المواقع الشخصية وغيرها في كتاب مطبوع سمة واضحة لأغلب الإصدارات الحالية. على سبيل المثال سبق وطرق عبدالواحد اليحيائي هذه التجربة مع إصداره الأول (مراجعات الماشي) عبر سلسلة من المقالات المنشورة في منتديات جسد الثقافة، وها هو يكرر التجربة نسبياً في (روتين).. كأحد ممارسي هذا النمط كيف يرى هذه التجربة؟ يجيب: استفدت كثيراً مما قدمه لي الأصدقاء والصديقات الشبكيين في أكثر من مجال: التصحيح والتعديل، الملاحظة الذكية، المقترح النافع، النقد البناء، الأفكار الباعثة. بل وحتى الملاحظات السلبية صبت غالباً باتجاه الرغبة في الوصول إلى عمل جميل. بالنسبة لي فأنا مدين بالكثير لأصدقائي الشبكيين ويسعدني الاعتراف بذلك، وتجربة الكتابة في (الشبكة) ثم نقل المكتوب إلى الورق عبر إصدار مطبوع تستحق تقديم دراسة مقارنة متكاملة توضح ما يقوم به الكاتب (أو المبدع) الفرد في هذا المجال بين (مسودة) الشبكة وما صدرت به الأوراق بعد ذلك، أثق أننا سنجد الكثير من الفروقات اللافتة للنظر بتأثير الحرية المتاحة أولاً، وبتأثير الأصدقاء في الشبكة ثانياً.
.
.
.
(6)
«لنجرب بإنسان..لنجرب فيه..وليجربنا الإنسان»
روتين ص80
.
يتداول العامة مثلاً مفاده: «انقلب السحر على الساحر» ، والشاهد هنا ليس أن النقد من قبيل الشعوذة التي ترتد على متعاطيها بقدر تبادل الأدوار النسبي ليكون الناقد في مرمى النقد.. ولليحيائي رؤاه النقدية الخاصة ببعض الإصدارات أو التجارب عبر الشبكة.. فكيف هي علاقة إصدارية مع النقاد؟ وكيف كان حضور الناقد الذاتي أثناء التعامل مع كتاباتك الخاصة؟ يقول: (روتين) صدر حديثاً ولم يتح لكثير من القراء فضلاً عن النقاد الاطلاع عليه حتى الآن. أما (مراجعات الماشي) فقد أخذ حقه من الكتابة النقدية، وأعتقد أن الذين كتبوا عنه قد أنصفوه قارئين وناقدين ومستحثين، ولقد استفدت كثيراً مما قدم لي من أفكار في هذا المجال خاصة أن الكتاب على وشك الصدور في طبعة ثانية قريباً. أما الناقد الذاتي في كتاباتي الخاصة فهو قاس جداً كما عبر لي بعض أصدقائي معترضين خاصة أولئك الذين قرأوا الإصدارين قبل صدورهما ثم قرأوهما بعد الإصدار، لكني لا أفعل ذلك حين أكتب مباشرة بل أفعله بعد تمام الكتابة وبعد فترة قد تطول بعض الشيء وبعد الاطلاع على ملاحظات أصدقائي، بمعنى أني أتحول إلى ناقد في مواجهة عمل أدبي لكاتب أسعى إلى عدم معرفته شخصياً.
.
.
.
(7)
«حين لا بدَّ من بعدٍ مشغولٍ بالأبد..فلا بدَّ من قبلٍ ممهور بالأزل»
روتين ص104
.
إذا كانت الحكمة تقول أنه لا يجب الحكم على ميزات الأشخاص بمؤهلاتهم، ولكن باستخدامهم لهذه المؤهلات، نجد أنَّ للألقاب الأدبية وقعها الخاص الذي تفرضه الأنساق الإعلامية.. هل تعددية الأدوار الإبداعية تجعل المبدع في مأزق كيف يقدِّم نفسه.. كيف الأمر هو بالنسبة لليحيائي: قاص، كاتب صحفي، ناقد، مفكِّر؟ يقول: هو يقدم نفسه كمبدع لعمل فني وإن بنسب مختلفة، يستوي في ذلك أن يكون صحفياً أو قاصاً أو ناقداً أو مفكراً، ولا أرى أن عليه أن يقدم نفسه بطريقة ما. طبيعة العمل الذي سيقدمه لمجتمعه هو من سيفرض لقبه الأدبي في هذه المرحلة أو تلك. هو سيتقدم كمبدع وموضوع العمل قد يقدمه بلقب أدبي يسبق اسمه. وبالتالي فإن المبدع سيكون في مأزق حقاً إن لم يترك لإبداعه تحديد لقبه الآني، ولن يقع في هذا المأزق إن فكر في إبداعه وكيفية الرقي بهذا الإبداع متجنباً قضية العنوان العريض الذي يندرج تحته التصنيف الفني لإبداعه ما أمكنه ذلك. هذا ما أحاول أن أفعله دائماً.
.
.
.
(8)
«إذا أردت الاستمرار في المعرفة عليك أن تكون مستعداً طيلة حياتك لمواجهه خطورة الفشل»
جون جاردينر
.
إنَّ ثنائيات من قبيل: الوقت والجهد، الموهبة والاستمرارية، الاجتهاد والحصاد... . تتلازم في المعادلات الإبداعية كمكونات أساسية، كنوع من العمليات المثيرة التي تفتح المجال لتأمل قدرة المبدع على الجمع بين عيش الحياة ومتطلبات إبداعه. الإصدار الأول لليحيائي كان موشوماً بالفلسفة، والثاني كان سردياً، ما تراه القادم؟ أو ما يستشرفه حوله؟ يجيب: لدي بعض الترجمات التي تبحث عن ناشر مناسب، وأقوم بكتابة بعض السير التاريخية من وجهة نظر معاصرة، وأيضاً تتجمع لدي بحكم الكتابة والمتابعة المتواصلة بعض المقالات الفكرية على نمط كتابي (مراجعات الماشي) وأخرى سردية أسعى أن تختلف في أسلوبها ومنهجها عن منهج (الصور) لتكون أقرب إلى (الحكاية). وهناك أفكاري حول ما قرأت من الكتب مؤخراً، وإن كان هذا الأخير مشروعاً مؤجلاً حتى أوقن تماماً من تحوله من كتاب معروضات ثقافية إلى حوار أفكار مع الآخرين.
.
.
.
- مَخرَج -
من (روتين) :
«كان نسخة أخرى وكانت أصلاً وحيداً.كل شيء كما هو، لكنها لم تكن هناك. أراد أن يبقى في مكانها، ورغبت أن تحيا في زمنه.حين غابت أوقف لأجلها الزمن، وحين غاب لم يتوقف شيء.وهبته إلهامها، وأعطاها ذاته».