وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

السبت، ربيع الآخر ٠٤، ١٤٢٨

تحقيق// المؤلف والمخرج المسرحي .. التباس العلاقة وضبابية حدود الحرية

السبت 1428-04-04هـ
2007-04-21م

العتيبي : ما يقال من تفاهم بين المؤلف والمُخرج والمتلقي محض هراء
المؤلف والمخرج المسرحي .. التباس العلاقة وضبابية حدود الحرية



- أثير السادة -

- رجاء العتيبي -

- نايف خلف -

استطلاع - منال العويبيل
تحت تأثير الفكرة السائدة عن استقلالية النص عن المؤلف الذي أعلن «رولان بارت» موته، ما جعل القارئ ينعم بحرية قد يسيء استخدامها، وبدعوى التجريب والبحث.. أصبح المخرج المسرحيّ يبيح لنفسه التصرف بالنص الدرامي كيفما يشاء، حذفاً، واختزالاً، أو تحريفاً وتشويهاً، وشرعنة ذلك على أساس أنَّ لكل مخرج طريقته، ورؤيته، وتأويله الخاص للنص .
حول علاقة المخرج بالنص، ومدى فضفاضية الحريّة في تقديم العمل معروضاً، أو تأطير الحدود .. توجّهنا ببعض التساؤلات لعددٍ من مبدعيّ الوسط المسرحيّ المحليّ..
يبادرنا المُخرج «رجاء العتيبي» حول إيمانه بالحرية المطلقة للمخرج المسرحي في التصرف بالنص الدرامي، بقوله : ليس ثمة ما يجعلنا نأخذ الأمور بهذا الشكل, ولا نظن أنّ أحداً يتصرف على مزاجه بدعاوى الرؤية والإبداع, ولكننا في هذا الموقف أمام مُخرج خلاق, ومُخرج هزيل.. عندما يأخذ المُخرج الخلاق النص، وينظر إليه، ويقرأه أكثر من مرة, سيعرف كيف يتعامل معه بحيث يكتب نصاً بصرياً مبدعاً بجوار النص المكتوب, ويعطي النص روحاً أخرى تنبض بالحياة, أما المُخرج الهزيل فسيظل هزيلاً, ولا يمكن أن يرتقي بالنص، ولا يمكن أن يعطينا رؤية خلاقة .
ويضيف : من الضروري أن نتخلَّص من التعميم عندما نطلق كلمة (المُخرج), ونحددها بشكل أدق : (مُخرج خلاق، أو مُخرج هزيل)، وهنا تنتفي مثل هذه الأسئلة, ولا يصبح لوجودها أهمية، ولا تمثّل لنا قضية؛ لأننا حينها نعرف إنتاج المُخرج الخلاق، ونعرف أدواته وخياله الواسع, مثلما نعرف أيضا إنتاج المُخرج الهزيل الذي أنهك النصوص المسرحية, وخلط الأوراق بعضها ببعض, مما شكّل لدينا قضية لا يمكن أن تكبر كالثلج لو أننا كسرنا حدة التعميم في كلمة (المُخرج).
وحول ضوابط الحرية التي تحدد دور المُخرج المسرحي في حالة غياب المؤلف بطريقة مباشرة للمفاصلة الإبداعية مع المُخرج يعلّق «رجاء العتيبي» بقوله : مؤلِّف النصّ المسرحي, يمثّل مرحلة وانتهت, وينبغي أن يكون بعيداً, عندما تبدأ مرحلة المُخرج, وعندما تبدأ مرحلة التلقي لا ينبغي أن يكون المُخرج موجوداً, فالمتلقي يريد أن يتلقى العرض المسرحي دون تدخّل من أحد, وكما نرى نحن أمام مراحل فنية لا ينبغي أن تتداخل, وما يقال من تعاون وتفاهم ومساندة بين المؤلف والمُخرج والمتلقي هو محض هراء؛ قبلناه لأننا مجتمع يعلي من القيم, فالتعاون بين الاثنين : المُخرج والمؤلِّف يمثّل لنا قيمة عُليا أعلينا من شأنها, ولكن من الناحية الفنية لا ينبغي أن يكون هناك تعاون, ولا مجال لهذا التعاون أصلاً؛ لأنّ الرؤية الفنية _ أي رؤية فنية _ لا تصدر إلا من شخصٍ واحد, وليس من عدة أشخاص.
كما يردف حول ذلك بقوله : من الضروري أن نتخلَّص من قيمة التعاون مهما علا شأنها عندنا, وذلك عندما نكون في مناطق الفن, بوصف الفن له قيمه الخاصة به, فلا ينبغي أن نخلط الأمور, التعاون قيمة رائعة في مكانها, ولكن عندما ننقلها في غير مكانها لا تأتي بنتيجة.
وكتحديد لإطار حرية المُخرج يقول «العتيبي» : إنّ حرية المُخرج تبدأ عندما ينتهي المؤلف من كتابة نصه, ليفعل ما يراه مناسباً, فإذا كان مُخرجاً خلاقاً, فإن النتائج معه ستكون أكثر من رائعة, أمّا إذا كان هزيلاً فلن نرى سوى خبط عشواء. وحول نوعية العلاقة الرابطة بين المُخرج المسرحيّ ومؤلِّف النص بين الصراع على المؤلَّف، أو التوافق حوله، يقول : من الجميل أن يكون هناك صراع وقلق وتوتر, ليس بين المُخرج والمؤلِّف, ولكن بين المُخرج والنص؛ لأنَّ العلاقة بينهما ( المُخرج/ النص) لن تكون في يومٍ ما حباً وسلاما، وإنما علاقة (مخاض), من الضروري أن نحترمها، ولا نصورها بالشر.
ويختم ذلك بتأكيد لرأيه حين يقول : المؤلِّف انتهى كمرحلة بمجرد أن وضع القلم جانبا, وتبدأ كتابة نص بصري جديد على يد المخرج, تحتاج إلى قلق وتوتر حتى تنفرج الكربة عن عرض خلاق؛ لهذا ليس بمقدورنا حسم الموقف, فنحن لسنا أمام قضية جنائية, ولسنا أمام رواية عربية بتمامها يتزوج الأبطال, ولكننا أمام عملية مخاض إبداعية ليكن فيها ما يشاء, المهم أن يُنتج المخرج عملاً خلاقاً بعيداً عن تطفّل المؤلف, لأنّه ليس ثمة شيء خارج النص كما يقول «رولان بارت».
المُخرج والكاتب المسرحي «عبد العزيز السماعيل» يرى أن احترام الضوابط الأخلاقية الحاكمة لحريّة المُخرج في التعامل مع النص المسرحيّ تختلف باختلاف نوعية المُخرج، فيقول : إنّ الأمر مرهون باختلاف المخرجين، فهناك مُخرجون يملكون من الجرأة بما يصل للتطاول أحياناً على النصوص، وهناك نوع يكون أقل جرأة، إلا أني أنحاز بعيداً عن ذلك للمُخرج الذي يحترم نصّ المؤلِّف، وإن أضاف له.
ويُردف «السماعيل» حول ذات الفكرة : إنّ التعاون الخلاق بين المخرج والمؤلِّف هو ما يُعوَّل عليه في إظهار رؤية تشمل الفِكْرَين : (التأليف والإخراج)، وبطريقة متناغمة ومتكاملة. إذ يجب على المُخرج عدم تناسي حقوق المؤلِّف في النصّ، أو العبث بالنص كيفما اتفق.
وحول الأطر التي تضبط تعامل المُخرج مع النصّ في حال تعذّر التواصل المباشر مع المؤلِّف يقول «السماعيل» : دعينا نأخذ مثلاً نصّاً كلاسيكياً لشكسبير سبق أن قُدِّم معروضاً حول العالم، وبمختلف الرؤى المسرحيّة، ولفترات مختلفة من الزمن، مع كل ما سبق ذكره يظلّ المُخرج غير ملزم بالضرورة لتقديم النصّ حرفياً بصورته الكلاسيكية كمجرد ناقل. لكن من الممكن له أخذ جزئية معينة منه، أو «ثيمة» محددة يبني عليها رؤيته الإخراجية، ولو بفكرة مختزلة، دون إغفال لأهمية نسب الاقتباس لمبدعه الأصلي كتقدير أدبي بالضرورة. وعلى كلّ، هناك فرق كبير بين التغيير أو تحريف النصّ، وبين تقديمه بأمانة إخراجية.
وحول رؤية «عبد العزيز السماعيل» لشكل العلاقة بين المُخرج المسرحي ومؤلِّف النص الدرامي بين الصراع أو التوافق للرؤية النهائية لتقديم العمل، يقول : أظنّ أنّه حينما يُنفّذ النص كما هو مكتوب تماماً سيجيء دور المُخرج هامشياً، وكوسيطٍ يُقدّم العمل برؤية أُحادية للكاتب فقط، فهناك فرق كبير بين النص مقروءًا، وبينه كنصٍ يُراد تحويله لعملٍ مرئي بما يتطلبه ذلك من رؤية فنية أوسع، وتقديمه للجمهور بطريقة تناسب روح العرض الحيّ، فالمُخرج المسرحي قد يُعتبر بحد ذاته مؤلِّفاً لنص العرض.
ويضيف « السماعيل « في ختام رؤيته : أجد أنّ علاقة المُخرج بالمؤلِّف مفرطة الحساسية في جانبها الأدبي، وتتطلب هذا القدر من الحساسية وأكثر؛ لتخلق ذات القدر من التوافق والتفاهم في تقديم العمل، وقد لا يحدث مطابقة بين الفِكْرَين أبداً، لكن من الممكن خَلْق نقطة تفاهم بما يخدم مصلحة العمل، فحين يحترم المُخرج المؤلِّف بالقدر الكافي ينتفي تماماً الخوف على النص.
أمّا المخرج «نايف خلف» فيرى أنّ المسرح عمل بُني وأسس على مبدأ المشاركة الجماعية. ويضيف : أعتقد أنه الفن الوحيد الذي لا يمكن أن يرى النور بجهود محض فردية، المؤلف يطرح فكرة منطقية، ويقدم مقولة قد نختلف معه أو نتفق، ولكن السؤال ما الذي دفع بالمخرج إلى انتقاء هذا النص من دونه، إن كانت الإجابة لاتفاقه مع الفكرة والمقولة فأعتقد أن حريته تبدأ من هنا، من حقه الاختزال، الحذف، التعديل، ولكن دون مساس بجوهر العمل وفكرته. فالمخرج له هامش، ومن حقه الإبداع في منطقته، وهي ما تمليه الشروط الفنية الركحية كما عند إخواننا التونسيين، والتشكيل الفني والمشهدي للفكرة هو ملعبه الأساسي، ولا يجب الخلط بين مهمته الإبداعية، والمهمات الأخرى حتى على مستوى الممثل ومهمته. أما إذا كانت الإجابة أنه لا يتفق مع الفكرة، فالأفضل أن يبحث عن فكرة يستطيع أن يقدمها من زاوية رؤيته الفنية، ومن العبث في رأيي العبث في تقديم شيء لا يتفق مع فكرة المؤلف. عموما _ كما ينهي « خلف « فكرته _ المخرج المحترف والمبدع لا يحتاج لمن يحدد له أين تنتهي حريته وأين تبدأ. هو يعرفها ويعرف مساحته. وكذلك الكلام بالنسبة للمؤلف المحترف المبدع.
وحول نوعية العلاقة المفترض بناؤها بين المخرج والمؤلف يجيب «خلف» بقوله : المسألة تحتاج نوعا من التفصيل حتى نكون على بينة، إذا كان المؤلف معاصرا فالأمر كما أشرت مبني على التعاون، إذا كان التواصل بينهما ميسرا؛ لأن الغاية ليست صراعا شخصيا، وإنما إبداع مخلوق جميل اسمه الجو المسرحي، وكل عنصر له مساحته الخاصة. إذا كان المؤلف متوفى، فالبقاء لفكرة المؤلف، وهدف المسرحية الأعلى، ولا يحق للمخرج تشويه الفكرة، وحتى إن حاول فلا بد أن يظهر في العرض المسرحي شيء من التناقض خصوصاً إذا كان المؤلف من العيار الواحد والعشرين.
وفي رؤية أخيرة للناقد المسرحيّ «أثير السادة» حول الاقتراب من العرض المسرحي بنيّة قراءته نقدياً، نقتبس منه فكرته الخاصة بدورة النصّ الدرامي إلى أن يتجلّى معروضاً أمام المتلقي، بما يبعثه ذلك من تأمل لعلاقة المؤلّف والمخرج بل وحتى المتلقي مع النصّ المقدَّم، إذ يقول : في المعادلة المسرحية ثمة قراءات عدة يبقى المتلقي فيها آخر حلقة في سلسلة هذه القراءات التي تمارس كل واحدة منها فعل الإزاحة لما قبلها، فما يقدمه المؤلِّف من نصّ هو قراءة للواقع تزيحه لاحقاً رؤية المُخرج باعتبارها قراءة ثانية، ومن ثم تستحيل إلى قراءة أخرى عند الممثل الذي يصدر بأدائه قراءته الخاصة للواقع/ النص/ رؤية المخرج، وهكذا حتى نصل إلى صورة العرض النهائية أو القراءة الكلية، والتي ستجعل من المتلقي مرمماً للمعنى، وصانعاً للدلالة، ومفسراً لخطاب العرض، حيث يمارس معه حرية الاختلاف والتأويل والسؤال حول بُنيته الدرامية، والتكوين الدرامي للشخصيات، والرؤية الإخراجية التي تختزل في داخلها جملة الأنساق المؤسسة للخطاب المسرحي. وبنسقٍ يعوّل فيه على قدرة العرض المسرحي على استنفار أسئلة المتلقي حول صناعته نصاً وإخراجاً، وبالتالي جعله مثارَ تساؤلٍ عميقٍ أكبر يربطه بالحياة، يقول «السادة» : بين العرض والقراءة النقدية علاقة طابعها التحريض والاستفزاز الجمالي والمعرفي، فالعرض يحرّض المتلقي على الانطلاق في فضاء الأسئلة المشاكسة، والبحث في سرية المنجز الإبداعي، والتي تحرّض بدورها التجربة المسرحية إلى مزيد من التقصي والإبداع في المخزون الجمالي والمعرفي لهذا الكون.




الأحد، ربيع الأول ٢٧، ١٤٢٨

خبر// جمانة حداد تؤبّن شعراء القرن العشرين في "انطولوجيا"0

الأحد 1428-03-27هـ
2007-04-15م

جمانة حداد تؤبّن شعراء القرن العشرين المنتحرين في «انطولوجيا»0
- جمانة حداد -

منال العويبيل - الرياض
تستعد الشاعرة والكاتبة اللبنانية جمانة حداد لتدشين انطولوجيا ضمّنتها150 من شعراء القرن العشرين المنتحرين حول العالم خلال الأيام المقبلة عن دار « النهار» و«الدار العربية للعلوم»، حيث عكفت الشاعرة على جمع وإعداد وترجمة عدد من النصوص التي خُصَّ بها الإصدار خلال أربعة أعوام مضت، ومن لغات عدة شملت الانجليزية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية والألمانية، وستحمل عنوان : «سيجيء الموت وستكون له عيناك» ( وهي جملة مستقاة من قصيدة للشاعر الإيطالي المنتحر تشيزاري بافيزي ) .
وقد ضمت قائمة الشعراء الذين وصل عددهم إلى مائة وخمسين شاعراً من مختلف أقطار العالم ثلاثة عشر شاعراً عربياً وشاعرة واحدة، هم من مصر: أحمد العاصي 1930م، وفخري أبو السعود 1940م، ومنير رمزي 1945م ، ومن سوريا : عبدالباسط الصوفي 1960م، ومصطفى محمد 2006م، ومن العراق : إبراهيم زاير 1972م، وقاسم جبارة 1987م، ومن الأردن : تيسير سبول 1973م، ومن لبنان : أنطوان مشحور 1975م، وخليل حاوي 1982م، ومن الجزائر : عبدالله بوخالفة 1988م، وصفية كتّو 1989م، وفاروق أسميرة 1994م، وأخيراً من المغرب كريم حوماري 1997م .
ورغم الإيحاء السوداوي الذي تفرضه ظروف المؤلَّف، وارتباطه بفكرة الموت انتحاراً كحالة تجمع الشعراء الذين يشكِّلون المادة الخام له، يُتوقع من الإصدار معالجة عميقة بطابع يتجاوز بدهية ما يوحيه ينقل قارئه لعوالم أبطن على غرار ما تقدمه حداد في إنتاجاتها .
ونورد هنا مقطعاً للشاعر اللبناني أنطوان مشحور ( 1936 – 1975) ، الذي انتحر بإطلاق النار على رأسه، كان قد كتبه بالفرنسية وترجمته حداد :‘‘ مدخل كي لا أتكلّم قط على هذه القيود التي توثقني منذ أيام برمال الصحراء سوف أتمدّد على مياه البحيرات على غرار عرائس النيل وسأتحدث مع الريح كل عشبةٍ على الضفاف سوف تكون قدري المسائي، وكي لا أدرك قط حدود الكرب سوف يحوم ظل الأوفيليات الميتة على جلدي
سأبسط خيوط الدم في جسدي شراعاً وسأقول وداعاً للأرض
أتقدّم بين تنهيدات الطحالب وما همّني إن كنتُ جئتُ الدنيا في شكل إنسان؟ إنني ألاقي الأثير الأصلي لما لم ينوجد قط منذ رحيلي نبتت على جسدي كمية من الأعشاب المجهولة ومن الأزهار لن أرجع أبداً إلى هذه الأرض ‘‘ .

الاثنين، ربيع الأول ١٤، ١٤٢٨

تحقيق// أيهما أكثر جرأة .. الشاعر أم الشاعرة السعوديين؟


الأثنين 1428-03-14هـ
2007-04-02م

العلي يميل إلى أن الشاعرة أكثر تعبيرا عن نفسها
أيهما أكثر جرأة .. الشاعر أم الشاعرة السعوديين؟

- محمد العلي -


منال العويبيل - الرياض

في تصريح للشاعر القدير « محمد العلي» إبان حوار له مع مجلة «الاتصال والإعلام» في عددها الأخير وضّح إنّ الشاعرة السعودية أجرأ من الشاعر الرجل في لغة الجسد في الشعر وفي الرواية . وفي تصوره يعود السبب في ذلك إلى انفجار المرأة، كون سجن الرجل كان أقل سياجاً من سجنها . وقد أعطى مثالاً أنّ «غيداء المنفى» كانت أكثر جرأة من أي شاعر موجود تعبيراً عن لغة الجسد، الذي هو تعبير عن السجن نفسه . حيث إنّها - أي «غيداء المنفى» - عبّرت عن سجن المرأة بشكل مختلف تماماً عن تكلّم الرجل عن أي سجن آخر .

ومن هنا نستطلع رؤى عدد من الشعراء حول مفهومهم الخاص للجرأة الشعرية في قصيدة الشاعر السعودي مقارنة بجرأة الشعر النسوي المحلي إن أمكن الوصف، وأبعاد هذه الجرأة .. من حيث أسباب محدوديتها إن اُرتأى ذلك، أو نفي الرأي، في حال كنّا أمام حالة تستوي فيها الكفتان.

الشاعر «علي العمري» ينفي الفكرة التي طرحها تصريح الشاعر «محمد العلي» بقوله : لست متأكداً من صحة هذا الحكم، هل المرأة بالفعل كانت أكثر جرأة! شخصياً لم أقرأ لـ «غيداء المنفى» ، ربما كان النص الروائي الجديد مغامراً أكثر، وربما الكاتبات بالتحديد يعانين أكثر وطأة الظرف الاجتماعي . لكن ما أعرفه أنَّ لغة الجسد التي يشير لها «العلي» صارت موضة كتابية، وأداة يبحث عبرها الكاتب أو الكاتبة عن الفضائحية وصولاً إلى «البست سلر/ أفضل المبيعات».

لكن بعيداً عن أفعل التفضيل - كما يضيف العمري - أقول نحن بالفعل نحتاج النص الجريء الذي يستطيع بوعي أن يتعامل مع تابوهات واقع يصل الى حد الكابوسي أحياناً. فالجرأة أو الحرية هي مبرر أيّ كتابة إبداعية وبدونها لن ينتج نص مهم .. جرأة تطال الحس والذهن معاً أو الجسد والروح، كيف يمكن إنتاج نص إبداعي يحمل عاهات المكان كاملة، وتشوهاته، وقسوته الإنسانية، ويظل نصاً مقنعاً فنياً!.. كيف لنا أن نكتب بعيداً عن مجانية الشعار ، وعن سطوة ومتطلب الآلة الإعلامية الراهنة، كيف للكتابة أن تتجاوز مراهقتها! أسئلة كثيرة لن يجدي معها أي أفعل تفضيل، ولا أي وصفة جاهزة نغري بها الكتّاب الجدد ولو كانت من قبيل لغة الجسد.

الشاعر «عيد الخميسي» ينزح لاعتبار رؤية «العلي» شخصية، وتتطلب تفصيلاً أكثر فضفاضية، يقول : يظل ما صرَّح به الشاعر «محمد العلي» رأياً خاصاً به، ويمكنني كقراءة أن أشير إلى أنَّ هذا الرأي مازال بحاجة للإضافة والتوضيح التي - ربما - لم تتح المناسبة والكيفية للأستاذ العلي توضيحها. ويضيف : هناك أسئلة كثيرة تحضرني حول مفهوم الجرأة؟ وماذا تعنيه؟ فهي - برأيي - مسألة نسبية، وقد تختلف من مجتمع ( زمن) فضاء إلى آخر، وهي في ذات الوقت مرتبطة بطبيعة متلقي النص، أو الفن، أو المنتج، والمجال الذي يبحث فيه أو عنه . في ذات الوقت لا يمكنني كقارئ أن أفصل الخطاب الشعري نوعياً إلى خطاب حسب الجنس . وما يحدث من تفصيل لهذا الخطاب يتم في رأيي حسب مدارس نقدية تراعي الموضة والاتجاهات النقدية الدارجة، ومن ثم تتجه لفصل النسوي عن المذكر في المنتج الشعري أو الثقافي. بالنسبة لي أقرأ خطاب «علي العمري» أو «سعود السويداء» أو «حمد الفقيه» أو «هدى الدغفق» بصفته خطاباً شعرياً في الدرجة الأولى والأخيرة. وما يهمني كقارئ هو مدى القدرة على إحداث أثر جديد ومختلف في ( قيمة النص الشعرية ) . في رأيي أن الجرأة المهمة ( حسب مقاييسي هذه ) كانت في الأثر الذي خلقه ويخلقه الشعر السعودي الجديد في التسعينات.

ويختم رأيه بقوله : أما عن احتساب نقاط الجرأة ضمن خانة التعبير الجسدي ( أو الإيروتيكي حسبما أفضّل تسميته ) فإننا أمام موضوع بات يشكِّل تياراً يشتغل عليه كثيرون في مشهد الشعرية العربية كذلك . فهي نقاط لم يكن تسجيلها صعباً . هناك سمة إيروتيكية تطبع اللحظة التي نعيشها، وتتجلى في معظم نتاجات الفن( الأزياء) الميديا، ومن ثم فإن التنويع عليها وإضفاء الصبغات المحلية وحسب هو مجرد تلوين وليس تقدماً لمناطق جديدة.

الشاعر «عبدالله السفر» تناول في رأيه فكرة القيد الحائمة حول المبدع على الصعيد النسوي والرجالي، وأبعاد هذا القيد الذي يلقي بحضوره على الانتاجات الكتابية بما يفرضه من تحفّظ أو جرأة، يقول : تختلف درجة تعامل الكاتب أو الكاتبة مع القيود المحددّة للتجربة الإنسانية التي يتماسّ معها على نحوٍ إبداعي . ثمّة قيود اجتماعية، وسياسية، ودينية، ومعرفيّة خاصّة بالمبدع نفسه، وبالمساحة التي يشتغل عليها. هذه القيود العامة هي ما أجّلتْ انطلاق كتابة حقيقية ؛ تتنفّس هواءً غير مدجّن، ولا يسارع إلى الامتثال ودخول بيت الطاعة، حالما يبدأ الأزيز التصعيدي التصادمي، على ما شهدتْه فصولٌ من كتابتنا المحلية . وبصفة عامة الجدار الذي يرتفع أمام الرجل المبدع غيره الذي يرتفع أمام المرأة المبدعة؛ حيث القيود تتضاعف مع امتداد الصورة الأنثوية في الذهنية التقليدية عن الاستكانة، والإذعان، وخفض نبرة الدفاع عن الحقوق، وكبح السلوك التوكيدي عن أن يعبّر عن ذاته إزاء ما يحدث، وما يقع على «الأنثى» ، وتغذية روح الاعتمادية باعتبارها الاستجابة الجاهزة حيال أمور الحياة .


إذاً، السلطة التي تنتصب قبالة المبدع؛ ليست تلك التي تقوم أمام المبدعة. ومن هنا اختلاف درجة الخروج أو «الجرأة» على ممارسة حرية القول الكتابي أمام الملأ . المغريات والمحرضّات لكسر السور وخرق الجدار؛ تزداد مع حجم العقبات والموانع . كلما اشتدّ القيد وأحمرّ المعصم بالكدمات؛ تصاعدتْ شهوة الحرية وشهقة الحياة . وإذا أضفنا بُعداً آخر لهذه الجرأة ومحفزّاتها، هو البعد السيكولوجي، ونعني به البوح والإفشاء بوصفه أكثر التصاقاً بالأنثى من الرجل، وتمثّل الرواية ميداناً شاسعاً يمكن للبوح أن يمدّ حنجرته وخطواته إلى أبعد مدى.


أقول هذا - كما يختم السفر - لتفهّم ولتعقّل، لماذا مساحة « الجرأة « فيما قرأناه روائياً محلياً عند الكاتبة أكثر من الكاتب . لكن خارج هذا الإطار من التفهّم والتعقّل . لا تمثّل الجرأة وحدها مقياساً لجودة المكتوب, ذلك أن خرق السائد، وما تمّ التواضع عليه اجتماعيّاً، إذا لم يجر معه تحقّقات فنية ومكتسبات جمالية؛ فإنه يظلّ في دور المماحكات الأيديولوجية، والمزايدات الفظّة التي تُسيء إلى الحركة الأدبية، قبل الإساءة إلى شيءٍ آخر.



- د. عبدالله الفيفي -
الناقد الدكتور «عبدالله الفيفي» يتصدّر للحديث في مستهل رأيه حول تصعيد مفهوم الجرأة، وأبعاد التسليط الإعلامي على ذلك في النتاج الإبداعي، إذ يبدأ بعدد من التساؤلات بقوله : أجُرأة هي، أم مراهقة اجتماعية؟! أيّ معنًى ينبثق الآن في الذهن حين نستعمل وصف «جُرأة» في الأدب، أنعني الجُرأة على طرح الحق، والخير، والجمال؟ أم نعني الجُرأة على طرح الزيف، والشر، والقُبْح؟ أم نعني الجُرأة على طرح هذا وذاك، وكيفما اتفق؟ بمعنى آخر، هل الجُرأة قيمة في ذاتها، أم هي وسيلة إلى غاية؟ وما تلك الغاية؟ أهي الإصلاح، أم محض الشهرة، ولفت الأضواء؟ على محكّ هذه الأسئلة تتحدّد القيمة، وكل ما عداها تابع لها.

ويردف : نعم، الأدب بمعزل عن الدين والأخلاق، كما أقرّ ذلك النقد القديم والحديث، لكنها تظل للأدب وظيفته التربوية الساميّة، على مستوى الفرد والجمع، لا بالمعنى الأفلاطوني المتزمّت المحدود، وإنما بالمعنى الإنساني المنفتح الشامل. إن الأدب الحقيقي أنأى ما يكون عن اتخاذ الأسلوب «الفضائحي» سلّمًا إلى سماء الشهرة، أو نَفَقًا إلى المال والتجارة! ولقد راجت مؤخّرًا مفردة «جُرأة» في وسطنا الصحفي، و «الإنترنتي»، إشارة سمجة إلى سباقٍ محموم في مضمار التعرّي، والتركيز على كل شاذ، وتضخيم كل نزوع مريض. وزُجّ بالمرأة - طوعًا أو قسرًا - في هذا المضمار، تشجيعًا، ودعمًا، وإعلامًا، كما كان يُزجّ بها عبر التاريخ من قِبَل المجتمع الذكوري، في الفنّ، والإعلام، والأدب، باسم الحريّة، ونُصرة حضور المرأة، ضمن اتجاهٍ عام يغلب عليه ابتزاز المرأة واستغلالها، وفق منهجيات عتيقة أو جديدة! وهكذا تقاطرت كاتبات سعوديات وغير سعوديات في العِقد الأخير، زرافات ووحدانًا، في حفلة عامة، وجماهير الفحول يصفّقون، لأعمال في معظمها لا قضايا لها، ولا أدب فيها، وإنما هي كتابات متردّية، لغويًّا، وأسلوبيًّا، وفنّيًّا، همّها الطاغي الإثارة، واستجداء ردّات الفعل الاجتماعية، وبريق الذيوع والصيت، وبأيّ ثمن أو معنى! ومن ثمّ يتبدّى أن الموجة الكتابية الصارخة حاليًّا في عالم النساء العربي، شعرًا كانت أو رواية، لا أدب في أكثرها، لا بالمعنى النقديّ للأدب، ولا حتى بالمعنى الأخلاقي للكلمة! ذلك أن الكاتب حين لا يمتلك ناصية لغته، ولا يمتلك أدوات المعالجة النفسية والاجتماعية للقضايا التي يتصدى لها - وإن بطريقة غير مباشرة - لا يعدو كونه مروّج وباء، وناشر فساد، ومشيع فاحشة، يُطبّع النفوس على تقبّل كل ساقط قبيح، فإذا هو يسهل عليها فتستسيغه، لاسيما في بيئة تنظر إلى الكاتب بوصفه قدوة حسنة، وما يُلقي به مُثُلاً تُحتذَى . فلا غرابة إذن، والحالة هذه، أن نلفي كثيرًا من المطروح الآن في الأسواق من نتاج كتابي، وبخاصة فيما يسمى رواية، لا من طبيعة الأدب في شيء، ولا من وظيفته في شيء؛ إذ ليس أكثر من بحثٍ عن «فرقعة» إعلامية وتجاريّة، على غرار الأغنية العربية الهابطة، والفيلم العربي الهابط!

إن الأصل في الأدب الحُريّة، ولا ينبغي أن يكون هناك محظور على تعبير الكاتب ولا قيد، شريطة أن يكون الكاتب كاتبًا، والشاعر شاعرًا، والروائي روائيًّا، يفقه فنّه، ويعي مسؤولية كلمته، ليس دعيًّا، ولا صاحب هوى، يتخذ الأدب وسيلة إلى غاية، غايتها القُصوى أن يشار إلى فعلته بالبنان أو بغير البنان، وبأي شكل كان! حتى إذا انتهينا إلى الوضع الاجتماعي المحلّي، وما يثار من تفوّق المرأة على الرجل في الجُرأة على «التعبير عن لغة الجسد»، فما أشبه الليلة بالبارحة! وهل ننسى أن المرأة عبر تاريخ البشرية - منذ شهرزاد وقبل شهرزاد وبعدها - هي مدفوعة دفعًا لممارسة هذا النوع من التعبير، إنْ في الواقع أو على الورق، بتغرير من الرجل تارة، وغفلة منها تارة، ولمآرب تجمعهما تارة أخرى، أو بمزيج من هذه العوامل كلها.


وفي مجتمع منغلق، يسوده إقصاء المرأة، كمجتمعنا، تستفحل الظاهرة، على نحو فجّ، سرًّا أو علانية، في نوع من التعويض النفسي والاجتماعي، للرجال وللنساء، على حدٍّ سواء! وبذلك تجري الأمور في ردود فعلٍ مرضيّة متطرّفة، لتمثّل حينئذٍ ظواهر اجتماعية، لا أدبيّة، تُمارس في نطاقها الاجتماعي مراهقاتها، عنفًا لعنف، بلا هدف ولا رويّة ولا رؤية. والمرأة - بطبيعة الحال - أكثر تأهيلاً للنهوض بهذا الدور في مجتمعاتنا، ليس للأسباب السابقة فحسب، ولكن أيضًا من حيث هي محميّة اجتماعيًّا أكثر من الرجل، لا تتحمل من التبعات مثل ما يتحمّل، ولا تُواجه ما يُواجه، ولا تُحاسب كما يُحاسب؛ لأنها تظلّ - حسب أعرافنا الموروثة، ومهما فعلت - : امرأة، لا «شَرَهَ» عليها! هناك خطوط دفاع عريضة طويلة دون أن يمسّها فيما تقول ما يمسّ الرجل . أمّا حين تتخذ المرأة اسمًا مستعارًا، أو يكون الكاتب - أصلاً - رجلاً باسم أنثى، فنَعْتُ الجُرأة في التعبير عندئذٍ بلا معنى، وأيّ جُرأة هنا لدى من لا يجرؤ حتى على أن يعلن اسمه الصريح!