وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

السبت، جمادى الآخرة ٢٦، ١٤٢٧

تغطية// الألوان ترقص في جدارية يرسمها أطفال مكتبة الملك عبد العزيز

الأحد 27 - 06 - 1427هـ
الموافق 23 - 07 - 2006م


يوم مفتوح لإبداع الصغار
الألوان ترقص في جدارية يرسمها أطفال مكتبة الملك عبد العزيز




منال العويبيل - الرياض

عدسة: ريم العويبيل


ذكر الفنان الرائد بابلو بيكاسو في فترة يمكن عدها ذروة مجده الفني رؤية لطالما أكّد إيمانه بها بقوله: " أفنيتُ عمري كلَّه وأنا أتعلمُ كيف أرسم مثلَ الأطفال"0
فإن من الملاحظ تمتع الأطفال بصفات إبداعية فطرية تهبهم عفوية خلاقة في التعبير ، من منطلق أن ذكاءهم قائم على الدهشة ، والولع بحب الاستطلاع ، وكشف محيطهم.. خاصةً من خلال روح اللعب المسيطرة على أنشطتهم المختلفة. هذه الصفات التي تُعد جوهر اكتساب المعرفة ، وأرومة التفكير الابتكاري.. بغض النظر عن الاتجاه الفني المحض ، فالطفل شخص خيالي يمارس أنشطته بدون حدود ، ويتعجب مما يراه البالغون عاديًا ومألوفًا.


ولأطفال مكتبة الملك عبد العزيز العامة مغامرات مع اللون ، تُلغى فيه رهبة تلطيخ الثياب ، أو أثاث البيوت بوازع من حرص أولياء الأمور على ضوابط عائلاتهم.. ينطلق ذلك في نشاطات فنية تابعة لورش إبداعية تتبع للمرسم في مكتبة الطفل ، حيث تُهيئ للأطفال استخدام أفكارهم الذاتية من خلال التعبير الفني المفتوح ، بعيداً عن الدفع المقصود للممارسة الاحترافية ، أو التعليمية البحتة ، وقد كان أحد هذه النشاطات يوماً مفتوحاً للصغار تحت عنوان: "رقص الألوان" ، وقد خُصص للرواد من سنّ الخامسة حتى السابعة ، ابتدأ بحوار مفتوح معهم حول الألوان في حياتنا ، وعرض التجارب الخاصة (أو الخيالية حتى) للأطفال مع الألوان ، ومدى ما يستطعمونه من لذة حضورها ، أو خيال لحظة تختفي فيها كلها فجأة.

الطفل عبد الإله (6 سنوات) مثلاً يرى أن السماء في أصلها صفراء ببساطة؛ كون الأزرق بالنسبة له مؤقت في الرياض ، والتي يغلب عليها الغبرة (كما يقول).
محمد (5 سنوات) يرغب بدنيا كلها أحمر ، لأن كل ما يصبح بهذا اللون يصبح له طعمٌ رائع بلذة الحلوى.
لمى (7 سنوات) تستغرب الألوان في القصص المصورة ، وأفلام الكارتون خاصة التي تلوّن بشرة الشخصيات بالأزرق مثلاً ، أو الأخضر ، وخلافه ؛ لأنها تجدهم كما تقول: كذابين.

وبعد استعراض رؤى الأطفال انتقل الجميع لارتداء المريلات استعداداً لاقتحام الجدارية التي امتدت بمسافة ما يصل إلى 4م بالألوان ، ناثرين حماسهم باندفاع لانتقاء ألوانها بحسب ما يمليه عليهم خيالهم البحت ، إلى جانب رموزهم وشخصياتهم الخاصة التي تتبع لطبيعة مرحلتهم العمرية.

ومحصّلة المتعة والقدرة على التعبير المنطلق بما تحمله التفاصيل.. يثبت ما يتفق عليه الباحثون من أن رسوم الأطفال ليست مجرد تخطيطات عديمة المعنى ، كونها تعني الكثير للطفل الذي يستنطق من خلال رسومه كل ما يعتريه من آمال ، ومخاوف ، وأفكار ، ومفاهيم.. وبالتالي لا يجب أن ينصب اهتمامنا فيها على النواحي الجمالية فقط ، فما يفهمه الطفل في عقله ، وما يفكر به في الفن ليس كما يعيه الكبار ، وبالتالي لا يمكن الحكم على إنتاجيات الأطفال الفنية بحسب قواعد النقد الفني للبالغين.
وهو الأمر الذي يجعل الكثير من أولياء الأمور يحبطون شغف أطفالهم بعالم الرسم واللون ؛ لما يحصرونه في فكرة العبثية ، وإثارة الفوضى لا أكثر.


ومن ناحية ، نجد أن هذا الاتجاه يُدعم بطريقة لا واعية في المراحل الدراسية ، والتي سرّبت ذلك للمراكز الصيفية التابعة للمدارس ، التي تندفع بالمقام الأول للنشاطات الرياضية في المقام الأول ، على حساب النشاطات الفنية الإبداعية القائمة على المناقشة ، وبناء الرؤى لمختلف الأعمار ، والتي تساهم بصورة كبيرة في بناء الشخصية ، والاستقلالية في الرأي.

أخيراً ، لقد دأب الفنان "جان أوغست آنجر" على حثّ تلاميذه اليافعين في مرسمه بجملة واحدة: (ارسموا ، إن الرسم مفتاح العبقرية).

السبت، جمادى الآخرة ١٩، ١٤٢٧

تحقيق// السيرة الذاتية فن لا يظهر إلا بخجل في ساحة الكتب العربية




اليوم الثقافي
السبت 19 - 06 - 1427هـ
الموافق 15 - 07 - 2006م



النوع الأكثر مبيعا على مستوى العالم
السيرة الذاتية فن لا يظهر إلا بخجل في ساحة الكتب العربية

منال العويبيل - الرياض



تعد فكرة تدوين السيرة الذاتية نوعاً من التوثيق باختلاف أسبابه، وفعلياً تتنامى شعبيته حول العالم، حيث تتصدر كتب السير الذاتية قائمة أكثر الكتب مبيعاً باهتمام لاهث من قِبل المتلقي، إلا أنها على الصعيد العربي تبدو بظهور خجول نسبياً.
ويعضد «جيمس بوزويل» هذا الفن بقوله: «كاتب السيرة روائي تحت القسم» ..فإذا كان الأمر كذلك يمكننا اعتبار الروائي أفضل من يكتب السيرة، سواء سيرة شخص آخر أم سيرته الذاتية. (اليوم) طرحت التساؤل على عدد من المبدعين من منطلق: هل تلح عليهم روح الروائي بأن يتجردوا يوماً لكتابة ذواتهم كـسيرة (من ألف بدء، إلى ياء ما).

يجيبنا الروائي عواض العصيمي بقوله: في الوقت الحاضر لا أعتقد أن لدي ما يحرض على كتابته في سيرة ذاتية. أقول هذا متفقاً مع من يعتقد أن كاتب السيرة إذا لم يكن قد مر بتجارب كبيرة ومؤثرة في حياته فإن كتابته ستكون أقرب إلى التدوين الشخصي الذي يحفظ للأولاد والأحفاد وليس للإعلام حيث القراء والباحثين والنقاد.
خلاصة الموضوع من جهتي هو أن تعيش في شكل بسيط وتكتب وتنتج كتباً فذلك مما يشاركك فيه المئات، فأين الشيء الذي يمكن قوله إذاً؟.
وحول ما إذا تسنى له يوماً كتابة سيرته فأي سبل البوح سيسلك يقول: لو قدّر لي يوماً كتابة شيء من السيرة الذاتية بما يستحق أن أكتب عنه، فسأكتب بصراحة كبيرة وسأخوض في التفاصيل. هذا ما أعتقده الآن .
ويضيف: سيستدعي الأمر شجاعة خاصة لأكتب بصدق وبتجرد، وعندها لن يكون للمحذورات على اختلاف مسمياتها أهمية تُذكر. لكن رأيي هذا، الذي هو ابن اللحظة الزمنية، هل سيكون رأيي نفسه في ذلك الوقت؟ لا أدري.. فقد يختلف الحال، وتطرأ ظروف لا تجري لصالحي وقت الكتابة، وقد أكون أكثر إيماناً بالكتمان والستر وألوذ عندئذٍ بصمت سميك لا يخترقه الكلام. كل شيء محتمل. لكن المهم، هو أن يكون هناك ما يستحق أن أكتب عنه.

ومن منطلق أن حضور الرواية في المملكة يشهد ألقاً يشي بطفرة إبداعية فهل سيشهد فن السيرة انتعاشاً مماثلا يجيب: إن فن السيرة، ليس مرتبطاً بشكل عضوي بالأدب أو الثقافة عموماً، بل هو موجود في حقول أخرى أكثر شهرة وجاذبية عند ملايين القراء، مثل الحقل السياسي، والفني، والجاسوسي، غير أن ما يميز السيرة الذاتية لمثقف معروف أو لكاتب أدبي مشهور، هو أن عمله كمثقف أو ككاتب أدبي يتداخل وخطوط سيرته الذاتية في كتابه، وبهذا التداخل يستطيع القارئ قياس المسافة التي كان يعيشها الكاتب بين ما هو أدبي عام وما هو جزء من الذات أو قطعة من السيرة الذاتية.

وعلى صعيد ما نعيشه من طفرة روائية، هناك من استفاد بشكل جيد من أحداث معينة عاشها بنفسه، فأدخلها في روايته أو وزعها على رواياته وهذا شيء طبيعي فالكاتب يستفيد من تجاربه الشخصية في الحياة في كتابة عمل أدبي أو أكثر من عمل.
ويضيف: من الطبيعي أن يستفيد الكاتب من أحداث عايشها في الماضي، لأنها تجارب حقيقية فيها صدق وحميمية تساعدان على اختلاق مشهد سردي يعيش شخوصه الأجواء نفسها التي مر بها المؤلف، أو مشابهة لها. أول مدى يصفو أمام الروائي عند شروعه في عمل سردي، هو المدى الذاتي الذي يحضن حياته الماضية ويحتفظ بتفاصيلها.


الروائي محمود تراوري يرى أن فكرة تدوين سيرته يوماً فكرة تعبر به أحيانا، لكنها لم تصل حد أن تكون ملحة.. مجرد فكرة تعبر وتؤوب. و إذا ما صدق قول بوزويل حول أن كاتب السيرة روائي تحت القسم، يقول: مؤكد أنني لم أفقد عقلي، حين أفقده ربما يحدث أن تتجلى كل الحقيقة?!. وإن كان كذلك فببساطة فمؤكد أن المجتمع.. بقبضته القوية والخانقة جدا، هو الذي سيحدد المباح وغير المباح مما سيقال.
إلا أن تراوري يرى أن انتعاش فن السيرة في الخارج قد لا يواكبه ذات الانتعاش محلياً، من منطلق أنه لن يكون بالصورة التي عليها هذا الفن في مجتمعات لها سياقاتها الاجتماعية ، وتراكماتها التاريخية، وأبعاد تضحياتها، ووصولها لإزاحة التابو
.



أما الروائي عبدالله التعزي فيقول: أتوقع يوماً أن أكتب ما رأيت، رغم أنه قليل، بدون أي تدخل من خيال أحد حتى خيالي. مجرد سرد لحياة شخص مرَّ بمكة في لحظة زمنية، وتقاسم مع منازلها وأزقتها الهواء يثير في داخلي الكثير من الحماس. ربما تكون سيرة المنازل والأماكن و المدن، ولكنها قطعا ستكون من خلال شخص له نفس الطعم والرائحة التي كانت موجودة في مكة وبين شقوق رواشينها. ليس إلحاحا ما يدفع إلى الكتابة بقدر ما هي متعة اكتشاف الحياة مرة أخرى وكأنها تعاد بكلمات ثابتة، وتشاهد بخيال متغير!
ويضيف: إلا أنه من يستطيع أن يقول الحقيقة؟ - كما في قول بوزويل - لا أعتقد أن هناك من يستطيع ذلك دائما. فالحقيقة كائن متغير بتغير الزمن، ما هو حقيقي هنا خيالي في مكان آخر، والتذكر بحد ذاته استجلاب للحقيقة أو ما كان في زمن ما عن طريق الخيال، فكيف نجزم أننا قلنا الحقيقة ونحن نسرد من الذاكرة! لن يستطيع أحد أن يجزم بشيء مهما كانت الحقيقة مكتوبة فهي قطعا مروية لابد أن يكون هناك راوٍ، ولابد أن يكون هناك حقيقة، ولابد أن تتغير الأمور؛ لأن الزمن لن يترك الراوي بقناعاته، ولن يترك الحقيقة كاملة. هذه الحياة ليست حقيقة أو حياة مطلقة، لابد من نهاية حقيقة لحياة قصيرة متغيرة. الصمت دائما كلام، مهما كانت آذاننا لا تسمع فجميعنا ندرك الحقيقة بحواسنا الأخرى إلى أن يتفتح لنا الصمت حوارا طويلا بلا نهاية نسمع فيه كل تفاصيل الحقيقة بكل وضوح. ففي الكتابة الحقيقة هي الفاصل الحقيقي مع الرغبة في مشاهدة الحدث بين المشهد وما تركه المشهد على شخصية الكاتب.
تحديد المباح من غير المباح له ظروفه الزمانية والمكانية و النفسية وهذه كلها متغيرات من الصعب أن يتم تحديدها بدقة لحظة الكتابة والجزم نهائيا بأن ما كتب هو بالفعل مباح ولا يبتعد عن الحقيقة كثيرا.
تابوهات المجتمع أيضا لها سطوة على الكاتب بحكم أن الكاتب تاج لهذا المجتمع منذ البداية ولابد أن تنعكس عليه بشكل أو بآخر إن لم يكن شخصيا، فعلى مستوى العائلة والأصدقاء وزملاء الدراسة وزملاء العمل إلى آخر زخم البشر المحيط بالكاتب.

أما ضروريات السرد فهذه من المرونة بحيث يستطيع الكاتب السيطرة عليها وإخضاعها لإرادته الكتابية مما يمكنه من عكس قدرته على السرد الحقيقي لما دار على أرض الواقع في نظره. ومن ناحية، لابد أن يكون جزءا من الكاتب بين ما يكتب سواء تم هذا بوعي من الكاتب أم بدون وعي، فهو في الأخير لا يستطيع سوى الاستمرار في الكتابة.

أما إذا كان يستشعر بطفرة لفن السيرة بقدر ما حصل مع الرواية محلياً يقول: لا أدري.. ربما.. أتمنى.. لا أستطيع أن أحدد رغبتي بدقة، وإن كانت الحياة دائما تجد طريقها كما قُدِّر لها. ليس استسلاما بقدر ما هي أفضليات متغيرة مع الزمن. ويبدو أننا أدمنا الطفرات، ففي الثمانينات كانت الطفرة المادية الأولى، والآن طفرة الأسهم، وقبلها طفرة الرواية، والآن نتوقع طفرة في كتابة السيرة، لا أدري لقد أدمنا الطفرات إلى درجة أننا لا نستغربها، فقط نتعامل معها وكأنها قدر لابد أن يكون. وكل شيء له أسلوبه في الحياة حسب متطلبات المرحلة التي يتسيد فيها هذا الأسلوب.

الشاعر إبراهيم الوافي جرب الولوج لعالم السرد مما يشبه قبساً من سيرة في روايته (ثلاثة رابعهم قلبهم)، يؤكد: بصدق يخيّل لي أن التجربة الروائية تبدأ غالبا بسيرة ذاتية ذلك أن الروائي يحتاج إلى توظيف الذاكرة لترتيب المواقف الزمنية تاريخيا، وهو أمر ملحوظ ومتكرر في تجاربنا العربية عامة، ومع تطور التجربة يصبح الروائي كاتب سيرة للآخر حد التشبّث به أحيانا، والاستفادة من مخزون الخبرة الذاتية، ومعالجة المواقف وإسقاطها على الشخصيات الروائية، وهو أفق عام ومشترك لجميع الروائيين في العالم.
أما فكرة العمل السردي (ثلاثة رابعهم قلبهم) الذي جاء بصدق دون تخطيط منهجي من خلال عرضه على الشبكة، أو بالأصح محاولة إنجازه عبرها عن طريق سرد حكاياتي، اشتمل على كتابات نثرية متعددة تم مزجها بأسلوب سردي ماضوي مثل: (سلسلة الرسائل إلى: أمي الطيبة / ظلي الصغير / امرأة لا تكفيها القصيدة)، وغيرها من مقالات ومقطوعات شكلت في مجملها عملا روائيا امتدت أحداثه قرابة الثلاثين عاما، وهي فترة التنمية الاجتماعية التي شهدت قفزات مذهلة في التركيبة الاجتماعية مما يشي به عنوان الرواية ذو البعد التاريخي والاقتباس القرآني من سيرة أهل الكهف، وهي العلاقة التي تربط بين العنوان والعمل، وحاولت من خلالها تأطير الأزمنة والأماكن بثقافاتها لا بأبعادها الجغرافية والتاريخية، والعمل في مجمله مغامرة ومقامرة من قبلي، ولا يشغل بالي ما يمكن أن يتبعه من ردود أفعال من النقاد متى ما شعرت بحالة من الرضا عنه، وشعوري بقدرته على إضافة ملمح آخر لتجربتي مع الكتابة، والأمر لا يخلو من الطرافة في مجمله، وربما أدى إلى تردد نسبي في إصدارها ورقيا كمنجز إبداعي فلم يكن هناك تخطيط أو حتى تفكير في كتابة عمل روائي، كنت أرغب في نشر سلسلة معينة تشبه المذكرات، ولعل من تابع العمل من بدايته عبر الشبكة يذكر أنه كان بعنوان (حينما كنت صغيرا)، وفي هذا ما يشي بما أقول لكن مع تتابع الحلقات، وتفاعل القراء انطباعيا معه تحول إلى عمل شبه روائي على الشبكة، وهأنا أحاول جاهدًا أن أحوله إلى عمل روائي من خلال إعادة هيكلته، ولهذا لن أتعجل مطلقا في إصداره ورقيا، أما فيما يتعلق بالسيرة الذاتية فلعل الاعتراف بفكرة نشوئه يكشف هذا بوضوح، لاسيما في بداياته لحاجتي الماسة لتوظيف الذاكرة في ترتيب المواقف الزمنية، لكنني من خلال مراجعته أحاول جاهدا فصله بطريقة فنية لا حدثية ليأخذ صيغة العمل الروائي الناضج، ومتى ما فعلت هذا قمت بإصداره.وحول كشفه للمستور، وتدخل عوامل عديدة في مسألة عفوية البوح يرى أن المسألة تختص بأبعاد فنية منها الصدق الفني المطلق، لكنني أعتقد أن الشخصية الروائية ستؤطر المباح وغير المباح، ولو قدّر لكاتب سيرة الحديث عن (تجربته الحياتية) بشكل تاريخي حتما لن يبوح بنصف ما باحت به الشخصية الروائية في عمل روائي وإن كان في هيئة سيرة، فللعمل الإبداعي غالبا خاصية السحر يمكننا من خلالها تمرير مساقات ثقافية وإنسانية قد لا نبوح بها إلا من خلالها، وقد لا يتقبلها المجتمع خالصة دون تأطير فني.


أما عما إذا كان يرى أنه سبق أن شظّى سيرته في منجزه السردي أو الشعري، أم أنه سيفعل يقول: لا أعرف تماما ربما لأن الغد مفردة قادرة على إعادة ذاكرتنا.. مفردة باذخة الفتنة تعشقها قبل أن تصغي لصوتها، أو خطوات حذائها الأنيق، لكنها حتما مراوغة من الصعب أن تجيء بما يشتهي الشجن!
ويضيف: أصدقك كم يشغلني هذا؟! فأنا لا أكتب المفردة التي تكتفي بذاتها، وإن كنت أحلم بها، وأرى أن غداً فقط هو الوحيد القادر على تدوين تاريخه مهما أغرتنا النبوءات، لذلك لا أجزم له ولا أتوارى عنه أنا أقف ببابه رجلا أبكم توحي إشاراته بالرجاء لا بالأمر، ولهذا أيضا جعلتُ كل ما سيأتي في مهب مشيئته.