وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الأربعاء، فبراير ٢١، ٢٠٠٧

هل خليجنا واحد ثقافياً؟ 2-2


اليوم الثقافي
الأربعاء 1428-02-03 هـ
2007-02-21 م
حين نقارن الثقافة بعالم السياسة والرياضة: 2-2
هل خليجنا واحد ثقافياً؟
- القاصة الكويتية منال العنزي -


استطلاع - منال العويبيل
استكمالاً لتساؤلنا حول وصول المشهد الثقافي الخليجي لأفق يحمل تقارباً على الصعيد الإبداعي عززته مجموعة من العوامل المشتركة في المنطقة، وبما لا يشترط التماثل في النتاج العام، نستجلي بقية الرؤى حول الوضع الراهن في الجيل الجديد، وتطلعاته للقادم.


بدءًا تؤيد الشاعرة العمانية فاطمة الشيدي بروز خط ثقافي خليجي مشترك، حيث تقول: أعتقد _ ولكن خارج دوائر الإطلاق والجزم _ أنَّ ثمة الكثير من الملامح الثقافية الخليجية المشتركة، وذلك يرجع بشكل بدئي وأساسي إلى العديد من مقتضيات التكوينات (المشتركة) كالجغرافيا والتاريخ والحيز الحضاري، والمستوى الاجتماعي والمادي، والتي بدورها أفرزت الملامح السيكولوجية التي تشكل شخصية الكائن التي تبلورت وفق معطيات التشكل السيسيولوجي الذي يتشابه بشكل كبير وواضح في دول الخليج، هذه الدائرة الجمعية في شكلها العام تظهر هذا التشابه بصورة جلية، وبالتالي ينعكس هذا الحكم على بؤرة جمعية أقل، وهي فئة المثقفين في هذه الدول، التي تجمعها (إضافة إلى ما سبق) عوامل تقارب خاصة بالثقافة، وهي (متشابهة بالضرورة) كالروافد الثقافية (معارض الكتب، والمهرجانات، والملتقيات)، والتسهيلات التقنية التكنولوجية والرقمية، والمحظورات الاجتماعية والدينية، وخاصة باتجاه الدين والمرأة، كل هذا يمثل عوامل متشابهة إلى حد بعيد في تكوين المستوى الثقافي والمعرفي العام، خارج خصوصية الفكر واللغة لكل كاتب طبعاً (إلا من تطور خارج أطره الاجتماعية كبعض المثقفين الذين اختاروا الغربة خيارا شخصيا) هذا التكوين الثقافي المتشابه انعكس في نمط الكتابة وأدواتها المعرفية، ومساحات المطروق والمتجاهل والمسكوت عنه، والمعارك الخاصة في الوسط الثقافي كمعارك التابو وقصيدة النثر، ولاحضورية الأنثى إلا بخفر في أوساط المثقفين، وغير ذلك من القواسم العامة والملامح المشتركة لثقافة جمعية، لها بعض ملامح الخصوصيات الداخلية بحكم مجتمعات متجزئة، تتعرض لبعض عوامل الاختلاف أو تتباين فيما بينها في درجات بعض الملامح أو المحظورات التي تستطيل في بلد وتتقلص نسبياً في بلد آخر.


وتؤكد «الشيدي» على تأثير الأجيال السابقة الواضح في الجيل الحالي إذ تقول: نعم شكلت الأجيال السابقة مرجعية ثقافية معرفية للجيل الحالي لما تلقته من تعليم (خاص أو أكاديمي) متباين، كما شكلت له ترساً ثقافياً تلقى حالة اشتداد ومواجهة المجتمع (النمط العقلي السائد) للكاتب (الكائن المختلف والمخالف). هذا بالطبع إذا كنا نتحدث عن الجيل السابق كأنموذج جميل، لأنه ثمة زاوية أخرى يمكن النظر من خلالها إلى جيل تقليدي كان تأثيره سلبياً كعثرة ضد الحداثة والوعي الجديد، وبذلك لم يؤثر إلا في تكوين رغبة الانعتاق من ربقة وعيه المحاصر بدوائر عقيمة، وبذلك كانت حالة تجاوزه انتصاراً للجيل الجديد.


وتخلص الشيدي من ذلك إلى القول: لذلك يشكل هذا الجيل حالة أكثر نقاوة من حيث شدة السطوع، وقوة الظهور، لما توفر له من مساحات أكثر امتداداً بحكم ثورة المعلومات والرقمية والاتصالات، مما عزز العلاقات الثقافية المشتركة، والتكوينات الإنسانية بين الكتّاب والمثقفين من مختلف الجغرافيات، وبذلك تجاوز محاصرة المكان والمجتمع والكائنات، كما تجاوز نسبياً الكثير من القيود الاجتماعية والدينية باتجاه حرية الحضور (خاصة المرأة والكتابة)، والكثير من القيود العامة التي كانت تواجه الكتابة والنشر، حتى كانت الكتابة مغامرة من الكائن ضد نفسه وضد المجتمع، لتبقى مغامرة الجديد والخاص والإبداعي هي النقطة الهامة والمشتركة بين جميع الأجيال، كمرتكز معرفي يراهن عليه المثقف.


وحول اختلاف وتيرة الانطلاقة بين المثقف والمثقفة الخليجية بين الأمس واليوم تردف الشيدي قائلة: بشكل ظاهري لا أعتقد أن وتيرة الانطلاقة تختلف اليوم بين المثقف والمثقفة الخليجية، وإن كان من اختلاف فسيكون لصالح المرأة، فما إن تجازف المرأة بحضورها الثقافي المعرفي حتى تهب لها الأيدي لتشكل لها جسراً عونياً للمساعدة في الصعود والظهور والنشر والتكريس كاسم ثقافي فيما بعد، وهذه الظاهرة بما تحمله من سلبية أو إيجابية، تعود بشكل أساسي لقلة عدد المثقفات والكاتبات في الأوساط الثقافية الخليجية بشكل خاص، والعربية بشكل عام. ولكن هناك خللا بينيا مستورا، وهو ديني/ اجتماعي المنشأ والتكوين، فمجازفة المرأة الخليجية أو حتى العربية بالحضور الثقافي ليس بالأمر الهين، فهي في البدء تحتاج للانفكاك من ربقة العادات والتقاليد التي تجعلها حرة فيما تريد، وتسمح لها بممارسة ما تحب خارج إطار الوصاية من كائن/ كائنات اجتماعية وقبلية تشكل المرجعية الاجتماعية الأولى لكل ما يصدر عن المرأة. كما أنها بذلك قد تجازف بالمستقبل الطبيعي للكائن، وهو تكوين أسرة؛ لأنها أصبحت كائنا فضائحيا (وفق الرؤية العربية) غير صالح لهذه المهمة، وبذلك فإن حضور وانطلاقة المرأة الخليجية البدئي، لا يكون من نفس نقطة الرجل؛ لذلك فالمقارنة غير جائزة هنا.


وترى الشيدي أنَّ الأسباب كانت ولازالت، وقد تبقى لعدة أجيال في المجتمع الخليجي غير المتجانس بين تقدم علني في أساليب الحياة، وتخلّف ضمني عميق وجارح في البنية الاجتماعية والثقافية مما يشكل فصاماً، كما أنني أستطيع أن أضيف وبثقة أن هذا الفصام يشمل العقلية العروبية بشكل عام، وليس المجتمع الخليجي فقط.وترفض الشيدي تنصيب بلد معين نال مبدعيه الضوء الأكثر، فتقول: تحديد بلد بعينه يعتبر حكماً مطلقاً، والأحكام المطلقة مظللة وظالمة غالباً، فالمسألة هنا مسألة مثقف، وليست مسألة قطرية أو مسألة بلد بعينه، فالعديد من مثقفي البحرين والسعودية وعُمان والكويت والإمارات وقطر قد نالوا حظاً من التشكل الثقافي الرائع مع الظهور والعالمية أيضاً، وإذا أضفنا العراق واليمن، فبهما العديد والعديد من المثقفين الذين جمعوا مستوى التشكل والظهور والعالمية معاً كذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار التباين في مساحات الظهور، وقوة النتاج الثقافي بين أديب وأديب، وليس بين بلد وبلد، ففكرة الانتماء القطري لا تمثل ثقافة كائن، ولا تحدد مستواه في عصر تقارع فيه التيارات الخارجية الداخل بقوة وكثيراً ما تهزمه، وإن كانت قد تمثل هويته في بعض الأحيان.


وفي ذات السياق ترفض الشيدي تحديد أبرز الأشكال الثقافية المحظية باهتمام فاق سواها، فتقول: هذا التحديد يعتبر حكماً مطلقاً أيضاً، وبذلك فعملية اختيار فن تكون مظللة وظالمة، ولذلك فلا يمكن إطلاق حكم محدد هنا. إلا أنه وبشيء من الاطمئنان يمكن القول: إنه عصر زعزعة الأشكال، وارتباك الكائن، لذلك فكلما تداخلت هذه الأشكال معاً، وتقاطعت في عمل فني مائز يجمع الصورة واللغة والرؤى البصرية والفنية والموسيقى ليوحد بين هذه الأشكال والمتلقي معا يكون الاهتمام أبلغ، والمتابعة أكثر. إننا في زمن أثقل الكائن بماديته، وفجاجته، ورعبه، لذلك يحتاج هذا الكائن الفنون لتصالح بينه وبينه، وبينه وبين الآخر، وبينه وبين المكان، وبينه وبين الواقع. كما أن معظم الأشكال باتت مستهلكة وعاجزة عن ربط المتلقي بخيوطها الرفيعة في عملية المشاهدة أو الاستماع، لذلك نحن الآن بحاجة لعملية تدليل للحواس جميعا، واستنهاض للموتى في دواخلنا، وتحفيز للحواس العاطلة عن العمل، أو المترهلة من كثرة الضجيج أو الصمت، ومن شدة السطوع أو البهتان.


وتتابع قائلة: إننا بحاجة لشعر لا يلقى، وسرد لا يقرأ، وصورة لا ترى، وموسيقى تتكلم، ومسرح نحياه. إننا بحاجة لأنواع جديدة من الفنون خارج القوالب الجاهزة، فنون نشعرها، ونحسها، ونشمها، ونلمسها؛ لندخل بها وفيها عصراً جديداً من اللغة والأدب والفن، وتدخل بنا دائرة الجديد والإبداع الذي يخلقنا أبداً مبدعاً جديداً، ومتلقياً جديداً.


وعمَّا إذا نجحت السياسة والرياضة في تكوين تقارب فشل فيه المثقفون تجيب الشيدي: أعتقد العكس وبشدة واسمحي لي أن أعكس سؤالك في جملة خبرية تقريرية وهي أن الثقافة نجحت في تكوين تقارب فشلت فيه السياسة (ممثلةً بمجلس التعاون)، والرياضة (ممثلة ببطولات الخليج). لأن الأولى لم تقدم الكثير مما كنا ولازلنا نحلم به كشعوب وأوطان تمثل كتلة جغرافية وروحية واحدة خارج إطار التسمية التي لا تزال فارغة من مضامينها العلائقية وأبعادها المتعددة، في حين عزفت (الرياضة) على وتر التفرقة، والانتماء العنصري لأوطان صغيرة خارج إطار ظلها الأكبر. وأعتقد أن الإعلام بجميع قنواته المقروءة والمكتوبة والرقمية والدرامية، هو الذي يحمل الرسالة الأكبر والأسمى لتعزيز الأدوار الثقافية، وبناء جسور تربط بين المثقفين، كما نجح نسبياً في تكوين الدراما الخليجية المشتركة والمشاهد الخليجي والعربي المشترك.



القاصة الكويتية منال العنزي تؤيد حضور تقارب خليجي على الصعيد الثقافي،تقول: أجد أن هناك بعض الملامح الثقافية المشتركة، والتي يلحظها الآخر بوضوح في مجتمعنا الخليجي. فالتجانس الثقافي حصيلة لتجانس عوامل أخرى، جميعنا يدركها من وحدة اللغة والدين الإسلامي والعادات والتقاليد، والكثير من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي شكَّلت ملامح الثقافة الخليجية.


وعن تأثير الأجيال السابقة في الجيل الحالي، والإشكالات التي تجاوزها هذا الجيل، تقول: الأجيال السابقة أثَّرت بشكل لافت على الجيل الحالي من حيث النمط التفكيري، والتطلع نحو التجديد، ولا نغفل النظرة النقدية التي لعبت دوراً تنويرياً تغييرياً. وأظن بأن لا يوجد تجاوزات بمفهومها الدارج.


وحول الاختلاف بين حضور المثقف والمثقفة الخليجي توضح العنزي قائلة: تختلف الانطلاقة بشكل ملحوظ كما كانت في الجيل السابق، حيث كانت العادات والتقاليد تحشر في كل إبداع تطمح له المثقفة، بينما يُسمح للرجل فعل كل شيء (سابقاً) حيث بدأت تتلاشى في وقتنا الحالي، بَيْدَ أنَّ المثقفة تحاول بقدر الإمكان مسايرة الوضع الثقافي، وملامسة جوانب الإبداع فيه، ونجدها اليوم تتفوق على الرجل بشتى الجوانب، ولكن يبقى الاختلاف موجود كما كان في سابقه.


وحول البلدان البارزة في النشاط الثقافي، وأهم الفنون، تقول العنزي: أجد أنَّ الكويت مازالت تحظى بالعديد من المثقفين الذين حاولوا جاهدين للوصول إلى بقعة الضوء، ومازال الحصاد الثقافي زاخرا بالإبداع، ونجد الشعر سيد الموقف في كل حدث ثقافي. وتختم العنزي بأنَّ السياسة متهمة في قضية الفشل التقاربي بين المثقفين، حتى إنَّ الرياضة على شفا حفرة من التلاشي. منوهةً بأننا وصلنا إلى مرحلة البحث عن السبب والمسبب.