وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الأربعاء، ذو الحجة ٠٦، ١٤٢٧

في قراءة لإصدارها الأخير (جاهلية) .. ليلى الجهني: (2من2)0

الأربعاء 1427-12-07هـ
2006-12-27م

في قراءة لإصدارها الأخير (جاهلية) .. ليلى الجهني: (2من2)0
على المرأة أن تتعلم النظر إلى الرجل كإنسان لا ذكر مقدس



منال العويبيل - الرياض
استكمالاً لعرضنا السابق لرواية ليلى الجهني (جاهلية) الصادرة مؤخراً عن دار الآداب، نستكمل هنا عددا من المحاور التي نتطرق فيها إلى ما طرحته ثنايا الرواية، وبمعية رؤى ليلى الجهني حول تساؤلاتٍ قد تعبر قارئ النص.


(4)

«الحياة عادة لا تسمح لنا إلا باختيارٍ بين أسوأ الحلول.. أما الأفضل فنصنعه بأنفسنا»

سيز كولتن



يرد في أحد مقاطع (جاهلية) ص66: « ستكشف علاقتها بمالك وعورة الحياة تحت سماء بلادها، وستمزق النسيج الحريري الزاهي الذي تلتفع به تحت تلك الحياة الآسنة، ولن يغفر لها أحد


«الين واليان» كما هو معروف نصفَيّ الطاقة بلونها الأبيض والأسود في الثقافة الطاويّة، وبمعزل عن رمزهما للخير منها والشر، نأتي لحالةٍ هنا بين عباءات النساء السود، وثياب الرجال البيض بانشطارٍ يباعد عالميهما، فلا يتوحدان كطاقة فاعلة في الغالب.. حتى إننا نجد في الفترة الأخيرة أن تنمية الوعي بالحقوق والواجبات سيستجلب معه مرحلة من الندِّية في الوضع، الأمر الذي سيعزز فصل العالمين. في رأي ليلى عند سؤالها ما الذي يوحدنا/ سيوحدنا إذن، تقول: « أن يعاد تأهيل مفهوم كل شطر عن نفسه وعن الشطر الآخر، أن يتعلم الرجل أن ينظر إلى المرأة فيرى إنساناً لا مجرد شيء أو جسد؛ وأن تتعلم المرأة أن تنظر إلى الرجل فترى إنساناً لا ذكراً مقدساً عليها أن تغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر


لقد تردد في أكثر من موضع في الرواية التأكيد على هلامية الخطوط الفاصلة في المجتمع بين المسموح من عدمه، هذه الهلامية التي لا تعني فتح المجال بقدر ما تتطلب الإذعان المفروغ منه حدَّ ألا يُتكلم فيه، ولأنه أصلاً غير مرئيٍّ بمنطق. نسأل ليلى عن هذه الحدود الواهية للمحظورات هنا، وتحديداً عمن سيكون له تصدُّر شقها: عناد النساء، أم جبروت الرجال؟ فتجيب بالقطع: « على النساء أن يفعلن ذلك. أي تغيير يأتي من قِبَل الرجال، لن يكون له الأثر العميق الذي يخلفه ذلك الذي تفرضه النساء، لأن من ينشئ الرجل في أول حياته، ويضبط إيقاع علاقته بها وبجنسها امرأة قبل أن تكون أماً. والمرأة المدركة لهشاشة المحظورات التي تخنق الفطرة السليمة - أحياناً - ستكون قادرة على أن تغرس هذا في من حولها، وتُنصِف نفسها، عِوَض أن تنتظر جبروت رجل كي ينصفها. »



(5)

»لا يصلح السِلم ما أفسدته الحروب»


يجد القارئ في بداية كل فصلٍ من الرواية ما يشبه روزنامةً بمسميات غابرة اندثرت للعرب العاربة من بني قحطان للأيام والشهور، إلا أنَّها حُددت فيها بحوادث سياسية زامنت ما قبل/ حتى سقوط بغداد على يد الاحتلال الأمريكي للعراق، ورغم أن الشخصيات لا تتعرض للحرب في أي من الحوارات خلا بعض الأفكار العابرة في ديالوغ داخلي للبطلة. لا يُستشعر نشازٌ في تواجد هذه المقاطع التي تُشبه فكرة الخبر العاجل في الفضائيات الإخبارية، ليأتي حضور خيبات هزائمنا فيها موائماً لما تتصادم معه الشخصيات من عُقد.

وتأتي التوطئة الأولى حول انتظار الإدارة الأمريكية لإعلان الرئيس بوش عن انتهاك العراق لقرارات الأمم المتحدة المطالبة بكشف أسلحة الدمار الشامل، يردفها ترقّب مهول من هاشم لما اقترفته يداه بحق مالك. لتأتي الأخيرة لحالة من الفوضى المفجعة إثر سقوط بغداد، في ذات الوقت التي تميد رواسي السماء لتتساقط كسفاً على رأس (لين).

سألنا ليلى: الخيبات السياسية صَدْرَ كل فصل من الرواية تبدو كتمهيدٍ لنُدَبٍ على مستوى الإنسان في ثنايا الفصل.. فإذا كان النفط في العقود الثلاثة الماضية دلل الناس حتى أفسدهم.. فهل خذلان سياسة اليوم تكفلت بإفسادنا؟ لتجيب:» الحياة في هذه المنطقة تحديداً تتكئ على فسادٍ قديم ينخر منذ قرون، سياسة اليوم إذن لم تفسد أحداً أو شيئاً، هي فاسدة من أساسها، وكل ما فعلته هي والنفط أنهما سَرّعا وتيرة الفساد القديم، وجعلا الوضع شيئاً أشبه ما يكون باعتياد الأنف على الرائحة المزعجة لطول البقاء بقربها.»



(6)

«هنيئاً للمسمار له خشب يضمه ويحميه»

الماغوط


«عالم لا شيء فيه سوى الكتب المنتظمة فوق الأرفف، أو المكدسة قرب سريرها. عالم من الورق، ظنَّت لين دائماً أنَّها لن تفهم سرَّ ارتباطها به. عالم يليق برجل لا بامرأة. عندما يضيِّع رجل عمره في الكتب فلن يلومه أحد. في اللحظة التي يستعيد فيها عقله - لأن الكتب كالمخدرات تسلب الإنسان عقله - ستكون الحياة بانتظاره كي يصنعها؛ ان الرجل يصنع حياته، أما المرأة فتنتظرها.»


(جاهلية ، ص114)



محاولة النساء صنع فرق في مجتمعاتهنَّ كثيراً ما يكون حمّال أوجه، كذلك هو الأمر في صنع اختلاف في شخص المرأة بما يعكسه على ذاتها ومحيطها الضيق فالأوسع، هذا في حال سلَّمنا أنَّ ثقافة مجتمعنا لم تستطع الوصول لمرحلة واعية لتقبل المختلف أو (الآخر) والمعني هنا المغاير عما اعتيد عليه، فكيف المرأة.يمكن توضيح فكرة جلية في النص من أن كثيرا من إشكالات الحبكة عند تتبع خيوطها تؤدي للبطلة لين واختلافها، ورغبتها بحياة موائمة لهذا الاختلاف، والذي يتعاطف معه أبوها، ويصطدم معه شقيقها، ويحتار فيه المحبّ.


«ها هي تعي - في مباغتة موجعة - أنّ المصائر يمكن أن تتشابه، حتى ولو اختلفت الطرق التي تقود أصحابها باتجاهها، وأن حياتها يمكن أن تُسلب منها، مهما بدت مختلفة عن الأخريات.» مختلفة! ما الذي يدفعها لأن تعتقد أنها مختلفة عن الأخريات من حولها؟ مختلفة! لأنها إن أرادت أن تقود سيارة فإن أباها لن يمانع؟ مختلفة! لأنها استخرجت بطاقة أحوال خاصة بها؟

....

....

كل هذا يبدو لعينيها الآن هشّاً وملطخاً كنشارة خشب تطفو فوق سطح ماءٍ آسن.»


(جاهلية، ص95)



وفي سؤال لليلى: اختلاف «لين» من يحميه لها، ومنه كذلك؟ (في ظل عاشق يغيب عنه التقاط تفاصيله، ووالدٌ يتفهم، وفي ذات الآن يتآكله ذنب إنماء هذا الاختلاف)، فكم من «لين» هنا تتوحد مع اختلافها فيعزلها! لتجيب: «لا أدري كم من (لين) هنا تتوحد مع اختلافها فيعزلها! ما أدريه أن اختلافها لن يحميه أحد، ولا ينبغي أن يحميه أحد سواها، في آخر الأمر، لن يهتم أحد إلا بحماية مكتسباته الخاصة





زاوية أخرى:

ا(جاهلية) بين اللغة والسرد



نجد في النص أن عذوبة لغة النص تتقاطع مع سلاسة الانتقالات السردية للأحداث والشخصيات بتصعيد متوازن، وتتكثف الشاعرية في مواضع معينة دون إخلال بخط الموقف، كما تصنع مفارقات يتبدى جمالها في تحوير حضور مفهومها الجامد (بل العلمي أيضاً) لوقعٍ شاعري.


«كم سحرتها العظام. سحرها تشريح الجمجمة البشرية أكثر من أي جزء آخر. ستظل تستجلب دائماً شكل الدروز الثلاثة المرسومة على الجمجمة البشرية... .أحبت الله كثيراً بعد أن رأت تلك الدروز. أحبت إلهاً يشقّ أنهاراً ثلاثة فوق جمجمة. فكرت في صور الأنهار الملتقطة من الفضاء عبر الأقمار الصناعية، وابتسمت إذ لم يكن هناك اختلاف بين أنهار الأرض وأنهار الجمجمة


(جاهلية، ص59)



أما من ناحية صوت الراوي فتوزع بين الشخصيات الرئيسية بانسجام وافق تطور الأحداث، إلا أنه بقي بصيغة ضمير الغائب، كما ظل صوت لين الأعلى حضوراً بين الفصول، ومن ثمَّ هاشم ومالك، وأخيراً بحيز أقل للوالد. بينما اقتصر حضور والدة لين بما تراه عين لين نفسها، وهاشم (وإن كان أقل وطئاً فيه). فنفتح التساؤل عن الاحتمالات المثرية لو واجهت الأم القارئ بما في نفسها من زاوية الأم مرة، وعين امرأةٍ هي على النقيض من ابنتها ربما، لكنها تشترك مع سواد نساء مجتمعها من جهة أخرى، فنجد أن غياب الأمر قد لا يُعتبر مخلاً بالنص، لكنه كان ليدعم الفكرة.


على صعيد الزمن نجد أنه وعبر فصول الرواية جاء بصيغة الماضي، وكأنَّ كل شخصية تسترجع وقع الأحداث عليها بصوتٍ عالِ. وللحظة قد يستحضر القارئ أنها حكاية للزمن، وإن رُبطت بوقت حددته الكاتبة، وكأن بإمكان حفظها في كبسولة ستُفتح في مستقبل قادم، وستضل شجون تفاصيلها بذات التعقيد، وتداعيات الألم، لأن مكاشفتها الاجتماعية مازالت عابرة! تحاذي عيوبها دون التقاطع معها بحلّ.


الاثنين، ذو الحجة ٠٤، ١٤٢٧

في قراءة لإصدارها الأخير «جاهلية» .. ليلى الجهني: (1من2)0

الأثنين 1427-12-05هـ
2006-12-25م

في قراءة لإصدارها الأخير «جاهلية» .. ليلى الجهني: (1من2)
مجتمعنا يستند في جميع أحكامه على منطق العيب
المرأة تجد نفسها ضمن إطار يلزمها تفهم هفوات الرجل على عكسه
- ليلى الجهني -


منال العويبيل - الرياض

هي روائية تمرُّ في حكاياتها بعود ثقابٍ على المواضيع، لتوقد ضوءًا على بعض ما يُسكت عنه في المجتمع بِحُكْمِ عاداتٍ تُطْبِق التغاضي أو التجاهل، في قضايا تتلغم بالتقادم (خاصة المرأة!)، وإذ تمرُّ في روايتها الصادرة مؤخراً (جاهلية) على عدّة فخاخ بشعلة حذقة دون افتعال الضجيج الذي يفتعله جديد الروائيين مؤخراً، فتترك نصها ليتحدث عن نفسه في ذهن القارئ لنتفرَّس معها حقل ألغامه، ونقرأ خطوط عقده. فلعل الأدب يصلح يوماً ما عجز عنه المجتمع.



(1)

«كذب العشّاق ولو صدقوا»


الحب، الحب، الحب.. منذ الأمثولات القديمة، وأساطير الهوى عبر التاريخ، وحكايا الجدات ومعلقات الشعراء، منذ عبلة، وبثينة، ولبنى، وليلى... . تطول القائمة ولا تنقص (ولا تنتقص).إلا أننا نأتي لحدود الـ (هنا) وتتناسل أسباب ومحاذير وأسوار تجعل سواد ما يضمه الكثير من الأدب المحلي من التغني بهذه العاطفة وأهلها من قبيل اختلاقٍ ما، على طريقة السينما الهندية في اختلاق عالم محنّى بالرقص والألوان في أفلامها لا يعكس حقيقة الواقع. ومن باب المغالاة الراهنة في مفهوم الخصوصية السعودية التي كبّلت المجتمع بكثير من القيود، نتساءل عن الكتّاب (رجالاً ونساءً) ممن ضمّنوا كتاباتهم حول الحب والمحبين باختلاف التصعيد أو التبسيط، من باب فكرة إنْ كان الرجل هنا يكتب عن الحب من قبيل الخيال مثلاً، وقد تكتب المرأة عنه من قبيل «الأمل».. هل كلاهما يكذبان ولو صدقا؟، لتقول لنا (ليلى الجهني): « ولِمَ نفترض أن الأمر يتعلق بصدق أحدهما أو كذب الآخر؟! ، ألا يدفع الجفاف الناس إلى أن يلاحقوا الغيث، بل ويرقصوا من أجل هطوله في بعض الثقافات. هذا الجفاف الهائل الذي يحيط بهذه الأرض، الجفاف الكامن في المعنى والمبنى معاً، ألا يمكن أن يدفع الناس -أكثر الناس- إلى محاولة صغيرة لاستجلاب غيث، حتى لو كان رذاذاً يـبل ولا يروي، وأنت تعرفين - يا منال - أنَّ الرقص يمسُّ هيبة الراقص هنا، فلتكن الكتابة إذن درباً إلى مقاربة قد لا تكون ناضجة بما يكفي، لكنها جديرة بأن تُحتَرم».



في (جاهلية) يتجلى ما يمكن وصفه بلعنة «الحب المستحيل» ، بمعضلة لا ترتكن لظروف المجتمع الصغير أو على مدّ الوطن، بل ربما هو صراع مجتمعات عدّة، خاصةً حين تظلُّ سلطة المجتمع أعلى صوتاً من المعنيين المباشرين في هذه العاطفة. فحين يجمع (لين) من طبقة «الحمايل» وَ(مالك) بفرق اللون كحاجز أول، ولعدم حصوله على الجنسية كعائق ثان، يجمعهما حبّ عفيف يصبوان به لنهاية منطقية بالارتباط، فيتجاوز الوضع سيطرتهما، وتتشابك الخيوط قبل تدخّل المجتمع حتى من ضمن هذه الخطوط يلوح لنا وسطٌ معقَّد يواجه فيه الطرفان صعوبات على المستوى الخاص بمنأى عن الإشكالات العامة القادمة.. فـ ( لين ) «البِكْر الرشيد» يمضي بها العمر إلى الثلاثينات دون زواج، واختلاف على مستوى الشخصية والفكر يغاير سواد الفتيات في محيطها. و (مالك) بمشاكله على الصعيد الاجتماعي والمادي والعرقي، بحالة تشبه تحرّش البنزين بالنار، فيلتهم البطلان القلق/ الأمل/ اليأس... .


فيتبدى ذكاء الحبكة بعدم جعل العقدة الوحيدة في هذه العلاقة فرق اللون (رغم عِظَمها)، فتصعيدها بعدة نواحٍ أخرى ينقل حالة الكاتب من مجرد التعرّض للقضية إلى تعرية تشير لكافة الإشكالات، دون تصدير خطابٍ مثالي يناصر صوت العاطفة فقط. حتى يصل الأمر بوالد (لين) الذي يتجاوز مسلَّمة تقديم الرفض (المفروغ منه)، إلى حالة يحدِّث فيها نفسه بماذا لو وافق؟، حتى تقوده تداعيات الفكرة ليرضخ لما هو ليس من المنطق بقدر ما يشعر بأنه مسلك سلامة!.


«وقفت أمامه وقد استسلمت لصمتٍ ينضح عتباً، وأطرق وهو يتساءل: ترى كيف يمكنه أن يقنعها بأنه اختارها هي، ولم يختر رضا الناس إذ قال لمالك: لا بأي الكلمات يمكنه أن يقول لها: إنه يرى ما لم تره، ويعي ما لم تعه... . »

« لا، لا، لا، لا، بقدر ما يمكن لأحد أن يرددها، لأنَّ الناس هنا بألوانها وقبائلها وأجناسها وأعراقها.... «


(جاهلية، ص 124 ، 131)



هي ذات المخاوف التي أثخنت بال (لين)، ولم تكن لتغيب عن ذهن (مالك)، لكنه ابتلاء الأمل، وقد روي في حديث الإمام « أحمد « عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حُبُّك الشيءَ يُعْمي ويُصمّ) .




( 2 )

( I have a dream )
وَهْمُ « مارتن لوثر كنج « 0



الكبيربين تفرّع الانتماءات، وتأصيل حواجز لا مرئية لاختلافاتنا في المجتمع تتعاظم الفوارق لتشكِّل أسواراً تعلو على الانتماء الأكبر (للدين والوطن الواحد على سبيل المثال)، هي خصوصية لا يساوَم أحد عليها أو تعاب عليه طالما لا تمس من سواه بسوء تعصُّب. ورغم التصالح الظاهر مع هذه الاختلافات في المجتمع (في الخطوط الرئيسية خاصةً)، يبقى العمق الاجتماعي فارضاً لحدودٍ تتقبل الآخر طالما كان «فقط» على ضفّة أخرى تحفظ المقامات ولا تختلط بمصاهرة، بأسبابٍ لا ترتكن لشريعة: (من ترضون دينه وخُلقه)، ولا مأثورِ مقولة: (كلنا عيال تسعة)، أو (ما يعيب الرجّال إلا جيبه).

وإن كان علم الفيزياء الحديثة يؤيد أنَّ المتعارضات تجلب التناغم إلى العالم، ولا تسبب التشويش، من باب أن المنظومات التشويشية تُولِّد حالات من الانتظام الذاتي. نسأل (ليلى الجهني): في مجتمع لا يستجيب للعواطف، ولا يُقـرُّ المنطق.. على ماذا تراه يستند في أحكامه؟ (في حال أقررنا أنّ اختلافاتنا هنا متعارضات).. لتقول: « على منطق [ العيب ].

تأملي معي ملياً يا منال، ربما ترين ما رأيته منذ وقت، وتألمتُ وأنا أدركه: لا شيء يسير حيوات الناس في هذا المجتمع سوى العيب. القاعدة التي تحكم وتضبط تصرفات الفرد - العلنية خاصة - هي مقدار اقتراب تلك التصرفات من منطقة العيب أو ابتعادها عنها، ليس الحلال أو الحرام، وليستِ القيم والأخلاق والمبادئ التي تفيض بها الكتب والصحف والمسلسلات، بل ألا يعيب الآخرون تصرفاته.

ولعل أشنع ما يغيب عن الذهن في وضع كهذا، أن المرء يحيا حياته من أجل الآخرين، لا كما يريد ويحلم. وكم أغبط هؤلاء الذين تمضي حيواتهم بهذه الطريقة دون أن يشعروا ولو للحظة بأنهم خسروا كثيراً دون معنى ».

من هذه الفكرة التي قالتها ليلى يعلو هذا الصوت في (جاهلية)، ويصبح إجلال سلطة العيب أعلى من ضوابط الدين، والمبادئ، والمنطق... فرفض (والد لين) مصاهرة (مالك) يتبع جريرة الملامة، ومجون (هاشم، شقيق لين في الرواية) تخضع مخافة عواقبه من اكتشاف أمره أكثر من أي شيء، كذلك المنطق الذي تنطلق منه والدتها في الحكم على الأمور... .

« لم تدرِ لين كيف يمكنها أن تذكِّر أمها بأنها ابنتها، وأنَّ الناس لن يكفّوا عن أكل وجهها مهما فعلت. سيجدون دائماً ذريعة لأكل الوجه »

(جاهلية، ص 74)



أما من ناحية اختلاف اللون فيرتكز عمق الطرح فيه على الإيغال، حيث إن تناوله في ثنايا الرواية لم يجعله كالعنوان العريض للعُقدة بالرغم من أهميته، فكان التعرّض لتبعات الأمر في عينيّ البطلين، والوالد كذلك، يعرِّي النظرة النمطية حول هذا الأمر دون تلطيف، بل مواجهة تستخدم المسميات بمكاشفةٍ مباشرة لواقعٍ راهن.

« لكنه أسود، وإن لم ينظر إلى لونه فإنَّ الناس لن تفعل شيئاً غير أن تنظر إلى لونه، وسيؤذون لين، ولن تحتمل لأنهم لن يكفّوا. في كل مرة يرونهما معاً سيرتسم على وجوههم ذلك التعبير البغيض المستنكر؛ لأنَّ كثيراً من الناس هنا لن تظنّ عندما ترى رجلاً أسود وامرأة بيضاء يسيران معاً أنهما زوجان، وستلاحقهما الظنون والأسئلة طول الوقت. أراد أن يقول له ذلك، غير أنه فشل في إيجاد الكلمات التي تقوله دون أن تجرح رجلاً يقابله للمرة الأولى »

(جاهلية، ص 130)



وهكذا تأتي النعوت في ثنايا الحبكة: العبد، التكروني، الكور، وغيرها من الألفاظ التي تنطلق في المجتمع من عنصرية لا واعية، وتتبدى في مواقف عابرة لتوضح مدى رفضها على سبيل التصريح، لكنها تتواجد خاملةً في بواطن البعض حتى يأتي ما يستظهرها للسطح، كونها لم تُعالج من العمق، ليبدو أجلاها في فهم (مالك) نفسه، وكيف يتواءم مع من لم يتكلف عناء وعيه.



( 3 )

قالت: أخي!! فالولد مولود, والزوج موجود, والأخ مفقود



حكمت العادة على تضخيم الدور الذكوري في المجتمع، فالرجل منذ طفولته يُكلَّف بمهام باعتبار جنسه وقبل أهليته لها حتى، ونجد أوضحها وصايته على شقيقاته سواءً كنَّ أكبر منه أو يصغرنه، وبمعزل عن ظروف فعلية تستلزم هذا الأمر، فمجرد ولادته كذكر يُمنح امتيازات متفاوتة تصل أحياناً للتسلط، وكم نصادف من علاقات أخوية بالغة التوتر أججها فقط طبيعة هذه الأدوار، والتي يزكّي حضورها الوالدان والمجتمع من باب فكرة القوامة التي يُنسى ضوابطها الأخرى، إلى جانب أنها من باب التكليف، وليس التشريف كما شُوِّهت فكرتها.

« أخته، أخته، أخته. أكان يجب أن يكون له أخت؟ امرأة ليست أمه، وليست عشيقته. امرأة لا يستطيع أن يثق بها، ولا أن يتسلى معها. امرأة يحرمه أبوه سلطة أن يردعها عن الإضرار بنفسها، يحرمه سلطة أن يحميها مما عرفه عن العالم من حوله. امرأة عليه بعد هذا كله أن يتفهم أخطاءها، ويراقبها وهي تقع ويشجعها كي تقف من جديد. »

(جاهلية، ص 18)



نسأل ليلى.. ارتباك هاشم إزاء لين كأخت، وعُقم مجادلة نفسه تجاهها، بدا الأمر أقل ضبابية في بتِّ لين في أمر هاشم، هل علاقة الأنثى بالأخ الذكر أكثر وضوحاً لها منه، بحكم الأدوار التي تُفرض على كل منهما حاكماً ومحكوماً؟ فتجيب: « أتذكر الآن ما قالته إيزابيل ألليندي في (باولا): (إن التشيليات ملكات أحياناً ضمن جدران بيوتهن. ولكن الذكور هم الذين يتحكمون بالسلطة السياسية والاقتصادية وبالثقافة والعادات، وهم الذين يشرِّعون القوانين ويطبقونها على هواهم، وعندما تعجز الضغوط الاجتماعية والجهاز الشرعي عن إخضاع أشد النساء تمرداً، يتدخل الدين بطابعه الأبوي «البطريركي» الذي لا يمكن إنكاره. لكن ما لا يمكن غفرانه هو أن الأمهات بالذات هن اللواتي يُعززن النظام ويمنحنه الديمومة بتربيتهن أبناء متعجرفين وبنات مستعبدات).


وكما تضيف: «هذه هي المسألة، وهي لا تتعلق بالوضوح، بل بأن المرأة تجد نفسها ضمن إطار يلزمها بأن تتفهم وتتقبل وتغضُّ الطرف عن هفوات وأخطاء ونزوات الرجل بغض النظر عن طبيعة علاقته بها وحدودها؛ دون أن يُلزم الطرف الآخر بأن يكون معها كما تكون معه. راجعي كل المقولات والوصايا والتوجيهات التي تجابـَه بها المرأة حول التعامل مع الرجل وضرورة احتوائه، وابحثي -في المقابل- عما يشبهها أو يقاربها ويوجَّه للرجل حول احتواء المرأة وكيفية التعامل معها، لن تكون كفتا الميزان متوازنتين أبداً «.


قد نتفق في الرواية أن اضطراب العلاقة بين هاشم ولين لا يمكن تعميمه، لكنه أيضاً غير قابل للنفي، وساهم في تعقيده أطراف عدة تبدأ فعلياً من الأنثى نفسها كأم، بل وحتى الأخت ذاتها حين تُنشأ على مفهوم الاستضعاف والجناح المكسور، مما يؤدي لتبرير أي استبداد في العلاقة. وبالتالي تبدو أي محاولة وضع حد لهذا التعنت تمرد يستلزم التأديب. يأخذنا هذا الأمر حين يتكشف للين عبر حوارها مع (شرف) نزيلة دار الرعاية الاجتماعية التي تعمل فيه بأنَّ لكلٍّ همّه وإن اختلفت التفاصيل:

« لا ، لم تعرفي عن الألم ما عرفته. لم يضربكِ أخ أصغر منكِ، لأنَّكِ امتنعتِ عن تجهيز الشاي له ولرفاقه. لم تجربي أن تسأليه بغضب مخنوق: بأي حق تضربني، فتنهرك أمك: اشششش، لا ترفعي صوتك على أخيكِ. لم يسبق أن أنزلكِ هذا الأخ من السيّارة، وأنتِ تستعدين لمرافقة أمكِ إلى زيارة عائلية، دون أن يشرح لكِ لماذا هو مصرّ على أن تنزلي وألا ترافقي أمك، مكتفياً بأن يقول ببرود: روحة ما أنتِ رايحة، أنزلي يللا. «

(جاهلية، ص86)

الأحد، ذو الحجة ٠٣، ١٤٢٧

تغطية// المبدعات العمانيات سرقن دهشة الحاضرات

الأحد 1427-12-04هـ
2006-12-24م

في مركز الملك فهد الثقافي
المبدعات العمانيات سرقن دهشة الحاضرات
من اليمين: نورة البادية، لمياء الحراصي، أصيلة السهيلية

منال العويبيل - الرياض
في ليلة جمعت الشعر الفصيح والشعبي والقصة القصيرة بانسجام اتفقت الحاضرات على جمال فكرتها أقيمت مساء الأربعاء الماضي الفعالية النسائية المصاحبة للأسبوع الثقافي العماني في مركز الملك فهد الثقافي في مدينة الرياض، والتي دُشّنت بأمسية ضمّتْ الشاعرة نورة عبد الله البادية، والقاصة لمياء الحرَّاصي، والشاعرة الشعبية أصيلة السهيلية، افتتحتها الدكتورة سعاد المانع رئيسة اللجنة النسائية بنادي الرياض الأدبي، بكلمة باسم النادي مشيدةً بالتواصل مع الوسط النسائي الثقافي العماني الممثل بالمشاركات، على أمل تكرار مثل هذه المناسبات دورياً لمزيد من التلاقح المثري.

بعد ذلك تولَّت الدكتورة أميرة الزهراني عضو اللجنة النسائية لنادي الرياض الأدبي، إدارة الأمسية مقدِّمةً الشاعرة نورة البادية الحاضرة بتميز في الساحة الشعرية العمانية عبر مشاركاتها المحلية والخليجية، والتي شرعت بقصيدة مميزة حملت عنوان (أطروحة حُبّ)، تلاها قصيدة أهدتها إلى طالبات جامعة الأمير سلطان، وكانت قد التقتهن في إحدى الزيارات التعريفية في مدينة الرياض، حملت القصيدة عنوان (التعب) جاء فيها:
للفرحة ألف لسان
اليوم تعال
لا أخشى قسوة كفيك
سأقبّل كفيك
أقبل يا تعبي
تعال
ثم تلتها القاصة الشابّة لمياء الحرَّاصي، وأشارت الدكتورة أميرة الزهراني إلى تجربتها السردية عبر مشاركات مثرية في النادي الأدبي في مدينة صور، إضافةً إلى مشاركات أخرى عبر تظاهرات أدبية في سلطنة عمان، وقد ابتدأت الحراصي بنص أول حمل اسم (جوري)، جاء استهلاله:
«ليس لأجلك، أو أجلها، أو لأجل أي شيء في الوجود..
بل لأجل جوري»

وقد حمل النص تيمة مكرورة في الطرح حول الخلافات الزوجية التي تدفع بالشريكين لطريق مسدود، فينتهي بهما الأمر إلى أن اختارا أمل الاستمرار لأجل طفلتهما الصغيرة، إضافة إلى مستوى بسيط في انتقاء اللغة والتقنية السردية لم يستطيعا رفع النص من تقليديته. تلا ذلك قراءتها لنصٍّ بعنوان «من يوميات سندريلا معاصرة»، والذي حمل نَفَس الخاطرة أكثر منه السرد.

بعد ذلك قدّمت الدكتورة الزهراني الشاعرة الشعبية أصيلة السهيلية، والتي تعمل في المجال الإذاعي، وكتبت العديد من الأوبريتات الوطنية، كما حلَّت ضيفة على العديد من البرامج الشعرية في سلطنة عمان والخليج العربي، واختارت مغازلة مدينة الرياض بقصيدة جاء مطلعها:
«سلام الحبّ يا دار لها الأشواق منثورة
على غيمة أنا جيتك وأنا لعيونك المشتاق»
وقدمت الشاعرة بعدها عددا من القصائد ذات المضامين الاجتماعية كالعنوسة، والتعليم، وغير ذلك، حتى عادت لمسلك الحب بقصيدة (يا عشق) التي قالت فيها:
«ما وحشتك يا عشق، قل لي: وحشتك
قال ما ذبحني في الغياب إلا الغياب»

بعد ذلك عادت الجولة الشعرية لنورة البادية التي أبدعت في سرقة دهشة الحاضرات بما يبعث الدفء والبلل «على حدّ تعبير د. أميرة»، فيما قالت:
«لفَّ ذراعيك على حلمي
كي لا ينساب وينساني»

في نهاية الأمسية ألقت الجوهرة المعيوف المُحَاضِرة في قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود، كلمة موجزة أوضحت فيها أنَّ روح الليلة الإبداعي دفعها لارتجال بعض الكلمات عن محبة كبيرة نحو سلطنة عمان وأهلها، والتي لمست جمال قلوبهم في زيارات سابقة للعاصمة مسقط، ومدينة صلالة، معبّرةً عن دهشتها بالعمانيين كشعبٍ متمسّك بهويته بذاتِ القدر الذي أخذ فيه بأسباب الحضارة.
بعد ذلك قامت الدكتورة سعاد المانع بتكريم المشاركات عبر تقديم هدايا تذكارية حملت رموزاً من التراث السعودي.

وفي لقاء لنا مع الشاعرة نورة البادية أبدت سعادتها بهذه المناسبة التي منحتها التواصل المباشر مع جمهور من السعوديات المتذوقات بحماس، موضحة أنها انتقت عدداً من نصوصها بعناية تستقطب انتباه الحاضرات، وأضافت مازحة أنها قاومت غير مرّة رغبتها في الاستطراد مع الشعر دون توقف، لولا خشيتها الاستئساد بوقت زميلتيها في الأمسية.

وأكّدت الشاعرة أصيلة السهيلية فرحتها بكمّ وكيف جمهور الحاضرات اللاتي تفاعلن بشغف مع الأمسية، حيث سبق أن نالها مع بقية المشارِكات القلق من عدد الحضور كونها مشاركتهن الأولى في فعالية خاصة بالنساء. كذلك كان الأمر مع القاصة لمياء الحرَّاصي التي رأت أن مجرد إتاحة الفرصة للتحاور المباشر مع المثقفات السعوديات منحها حظاً أكبر من السعادة التي تكللت بنجاح الأمسية.

الأحد، ذو القعدة ١٢، ١٤٢٧

تغطية// محمد العلي وعلي الدميني يحركان دم الشعر


اليوم الثقافي
الأحد 1427-11-12هـ
2006-12-03م
في أمسية شهدت تفاعلا من الجمهور
محمد العلي وعلي الدميني يحركان دم الشعر
الشاعر محمد العلي



منال العويبيل - الرياض

تمت أمسية الشاعرين محمد العلي وعلي الدميني مساء الاثنين الفائت ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي لكلية اليمامة شمال الرياض حضور الشِعر وجمهوره. الشاعران اللذان قدما من المنطقة الشرقية للمشاركة في الأمسية الشعرية، التي كان من المفترض مشاركة الشاعرة فوزية أبو خالد فيها، واعتذرت عن الحضور لظرفٍ خاص، نالا نصيباً من التفاعل استحضر للشعر جمهوره بعد فتوره مقارنةً بانتعاش السرد.


في البداية عرض مدير الأمسية في عجالة التجربة الشعرية لمحمد العلي ومنشوراته عبر الدوريات دون إصدار أي ديوان حتى الآن. استهل بعدها الشاعر الكبير بقصيدة عمودية جاءت بعنوان (إلى عيدٍ جديد) ، جاء منها:


أيها العيد أعطهم ما يريدون * حقول النشوة وزهو الحصادِ


أعطهم ثمَّ مرَّ بي فأنا * كالناس روحي ظمأى وقلبي شادي


فأنا واحة من الحب * ما أحوج أطيارها إلى صيادِ



وفي قصيدة استحضر العلي منها أجواء السياب وخليجه «واهب المحار والردى»، جاءت تحت عنوان (العيد والخليج)، كان مطلعها:


<> تبرّجتْ السفوح البكر


نفرت الحجارة صمتها الأبدي بالأغصان


وساجٍ أنت كالأكفان>>



تلا ذلك قراءته لعدد من القصائد التي تنوعت بين العمودية والنثرية ( والتي أسرَّ العلي بمدى صعوبة تعاطيه مع هذا القالب)، قرأ بعدها قصيدة بعنوان (بحرنا من حجر)، جاء فيها:


<>الحزن حين يفرد كل مساء جناحيه


تدنو الغيوم الحزينة


تلك التي كورت في النهار


لتهطل في كل قلب


الحزن حين يفرد كل مساء جناحيه


تجلو الكآبة مرآتها....


الحزن حين يفرد كل مساء جناحيه


تأتين


لكن صوتك في مقبرة


وخيالك الذي كان يتدفق نهراً في ذاكرتي


يتوسل أن لا أراه


أتوسل أن لا أراه>>



وفي آخر نصين له في الأمسية داعب العلي الشاعر اللبناني شوقي بزيع الذي كان من ضمن حضور الأمسية بقصيدتين عُنونتا بليلة لبنانية جاء في أُولاها:


<ليلة ناضجة


مدت النار أعناقها في المزامير


حول الزوايا المطهمة الهائجة


مطرٌ كان يستبطئ الليل


يثقله بالبنفسج ...


يا صلاة النبي


يا مزامير داود


يا لفتة النهر نحو الورى


أسرجوا لي الهوى>>



بعد ذلك انتقل الشِعر لدفة علي الدميني الذي استهل بقراءة عدد من القصائد القصيرة كما وصفها، منوهاً بأنه انتقى أكثر نصوصه وضوحاً، وذلك عملاً بما طُرح في ندوة (واقع الشعر العربي المعاصر) التي سبقت الأمسية، والتي انتقدت تبني الغموض لدى الشعراء الحاليين. جاء منها:


<>الطائر/


رهيف الهوى سيّدٌ


وعينٌ ترى ما يلي


تخضبت بالكائنات وقاسمتها قاتلي....>>



وفي مقطعٍ آخر حمل عنوان «ملاك الصُّدَف» قال فيه:


<>يا ملاك الصدفْ


كيف لم نختلف؟


أنت عرّيتني من صبايَ،


وهيأتني حارساً للمسرّاتِ في كل هذي الغٌرَفْ


وأنا كنت رمحك في الصيد


لكنني دائماً لا أصيب الهدفْ!>>



أما مقطع «هكذا» فقد قال فيه:


<>هكذا دون وهمٍ ولا ادعاء دون مرثيةٍ لامعةْ


يتقدّم نحوي هواءٌ من القشّ أبيضَ،


يلمس شَعْري، ويعْلَق كالثلج فوق جفوني


وأنا أهشُّ على ظنهِ بفمي


تتحدّر عني السنون


وتذهب في إثرهِ طائعة!>>



طرح الدميني بعد ذلك عدداً من قصائده التفعيلية والنثر شعرية، مستأثراً بكثير من تفاعل الجمهور مع عميق طرحه، وتصويب مقتل العاطفة حيناً، والشجن في أحيان أُخر.


من ثم اُختتمت الأمسية بتكريم عميد كلية اليمامة الدكتور أحمد العيسى للشاعرين بدروعٍ تذكارية. أمّا على صعيد الحاضرات فقد نال الشعر جلال الإنصات باهتمام أثار استغرابه حاضرات اعترفن بعدم اكتراثهن بالشعر من قريب أو بعيد، حيث جئن للمسرحية كمقصد إلا أنهن سعدن بحميمية الأمسية، وطرح الشاعرين الكبيرين.كما علّقت إحدى الحاضرات حول ذات النقطة بقولها: إننا يجب أن نعترف بأن نجاح الأمسية بهذا التفوق يعدُّ مفاجأة مقارنةً بأنه- على حد تعليقها- زمن سطوة السرد.