وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الاثنين، ربيع الأول ٢٦، ١٤٢٧

تحقيق// الطبق الخيري وحده يكسب

اليوم الثقافي
الاثنين 26 - 03 - 1427هـ
الموافق 24 - 04 - 2006


الطبق الخيري وحده يكسب
الأسابيع المفتوحة في الجامعات ظاهرة سنوية تخلو من الإبداع والثقافة

الرياض - منال العويبيل



كظاهرة سنوية دأبت الجامعات وكليات البنات على تخصيص أسابيع من العام لأيام مفتوحة ترفيهية بغرض كسر الروتين الدراسي بأنشطة تقتضي التنويع والمتعة الهادفة، وهو ما لم تخالفه أي من مسئولات النشاط، إلا أنه تحول في السنوات الأخيرة إلى أغراض لم تعد من قبيل ما خفي في نفس يعقوب، بل بات من العادي التصريح بأهداف ربحية بحتة كرّستء أياماً مفتوحة كأوسع نشاط طلابي غذائي تتبارى فيه الطالبات على التعاقد مع أكثر المطاعم شعبية بغرض تحقيق أعلى نسبة من الربح تحت شعار: الطبق الخيري وحده يكسب.

وحقيقةً، يظل نعته بالخيري كما درجت العادة مدلساً لواقع أن الربح لا يصب في جيب جهات خيرية (إلا إذا كانت إدارات الأقسام في حالة إعسار لدرجة وصف العائدات لها بالخيرية)، هي حقيقة يؤكدها عديد من المسئولات حول التحفيز الحاصل لتحقيق بيع أكبر يسخر مدخوله للإنفاق على مرفقات القسم ومتطلباته، في ظل محدودية الميزانية المخصصة من العمادة كما يتردد.
وعلى افتراض نبل الهدف بالمصلحة العامة يتفاقم الواقع لمنعطف محزن، فالنشاطات إن جاوزت بيع الوجبات السريعة بضعف السعر! لا تتعدى حضورا خجولا لأركان بيع الكتيبات الدينية وقصص الأطفال، والكماليات، وعروض التجميل .. بتجاوزات لمعقول الأسعار، إلا أنه في نفس الوقت يوجد من ينقدن في ذاك الجو للدفع الأعمى! فإذا كان الهدف تحقيق ترفيه يغاير وقع جدية الأيام الدراسية، لمَ يتم حصر المطروح بما يتعارض مع ما تحاول الجامعة بناءه طوال العام من ارتقاء بالتفكير، وتنمية مهارات مختلفة، وممارسة الهوايات كتنفيس وتحقيق هوية، وما إلى ذلك.
على سبيل المثال تضم جامعة الملك سعود في هيئة تدريسها الشاعرة فوزية أبو خالد، والروائية والقاصة بدرية البشر، والقاصة فوزية البكر، والأديبة الرائدة خيرية السقاف، والإعلامية منى أبو سليمان، والتشكيلية مسعود قربان وغيرهن الكثيرات ممن تغيب أسماؤهن في الأنشطة الإبداعية في الأيام المفتوحة، بحيث لا تتكفل إدارة الأنشطة باغتنام تواجد هذه الأسماء المميزة في ايجاد جو إبداعي بموازاة النشاطات الأخرى، إذ أن تسيد الصغائر لم يحقق إلا الربح والربح فقط .


القاصة هديل الحضيف (طالبة بكالوريوس رياض أطفال) علّقتء بأن عبثية الحاصل في الجامعة إبان الأيام المفتوحة يكرس فقدان الجامعة لأي هوية تمثلها، فالأماكن مكرسة للصخب، والأوقات تبدو كأنما انفلتت من قيدها الكوني، ألوان تخنق الضوء، وتوقد في الأرجاء فوضى لا تهدأ. الجامعة منذ أيام على المثال، فقدت كل ما يمتّ إلى الأكاديمية بصلة، بحجة بليدة تتكرر كل سنة تحت عنوان: (الأسبوع المفتوح)، الذي لا يحتوي من النشاطات غير كيف تُملأ البطون بأكثر الطرق ابتزازاً، وكيف تُضاعف الأسعار بلا حساب! كل شيء كان حاضراً، سوى النشاط الثقافي المغيّب تماما في الجامعة، إلا من بعض المحاضرات وورش العمل المتهافتة، التي تكرسها إدارة النشاط في خدمة اتجاه واحد، بلا مراعاة لأي ميول أخرى . وتضيف إن أي استماتة لفرجة بسيطة من ضوء يختنق اقتراحها بعد لحظة طرحه، وتضرب مثالا بقولها : حضرتُ يوما جلسة في إدارة النشاط لاقتراح موضوع لمسرحية تعرض على منصة إسمنتية لا تتجاوز أبعادها أكثر مما يفي بوقوف طالبتين عليها، (إلا أن الأمر كان جديراً في نظري بالمحاولة)، خرجتُ بوعد قطعته على نفسي ألا أعود أبدا! إضافة إلى أنه قبل إقامة الأسبوع المفتوح، انتشرت على جدران الجامعة إعلانات تطلب من الجميع إثراء الأسبوع بالأفكار المبتكرة . تقدمتُ إلى مشرفة النشاط (الثقافي) في القسم، بطلب لإحياء أصبوحة ثقافية، خلال الأسبوع المفتوح، وجاء الرد بأن الموضوع سيطرح على طاولة النقاش، وكنت أعلم أن معنى ذلك: (الأمر غير وارد على الإطلاق).
في أوقات الفراغ بين المحاضرات، (والحاصل أن الأيام المفتوحة للمشتركات فقط ، أما المتبضعات فمتوجب حضورهن للدراسة) تجولتُ على الأركان، ولم تكن خيبتي كبيرة، لمعرفتي المسبقة بفعالياته . والأركان التي نجت من بيع الطعام، كانت من أجل بيع قمصان تحمل عبارات من نوع : PROUD TO BE SAUDI ، وأساور من ذات الموضوع، وأعلام .. وأي شيء اصطبغ بالأخضر، وكأنما الوطنية تعني ارتداءنا أكبر كمية من هذا اللون على أجسادنا، دون إقامة اعتبار لتنمية وطنية العقل، والإعلاء من قدرات المواطنين ليفخروا حق الفخر بالانتماء إلى الوطن!

وحول ما تمنت كحد أدنى رؤيته تقول: تمنيت أن يُقام معرض فني لأعمال طالبات التربية الفنية، تمنيتُ ندوات جادة، تمنيتُ استضافات لشخصيات مرموقة، تمنيتُ إقامة ما يليق بأول جامعة في بلدي، وشيء يليق بخمسينيتها المرتقبة، لكن يبدو أنها تقصد ألا تترك بصمتها على ذاكرتي، ولا حتى في الفصل الأخير لي بين جدرانها.


بنان العايد (طالبة بكالوريوس لغة انجليزية بكلية التربية) ترى أن أنشطة الكلية الإبداعية لم تتجاوز أوراقاً على جدار القسم (وبالمناسبة أغلبها من الإيميلات المتداولة لا أكثر!) وتضيف: قضيت المرحلة الابتدائية من دراستي مع العائلة في الولايات المتحدة إبان تحضير الوالد لشهادة الدكتوراة، وفي مدرستي هناك كان يُخصص يوم في السنة اسمه invention day ، على كل طالب أن يأتي فيه باختراع يُنفذه بنفسه مهما كان بسيطاً، وتعرض كل الاختراعات في قاعة (ومجازا أقول اختراعات فقد كان أغلبها محاولات بسيطة جداً).. وهناك على إحدى الطاولات عرضت اختراعي (الهائل) الذي لم يتجاوز حذاء دعّمته بأرضية من الإسفنج تساعد على المشي بمرونة والتنظيف في ذات الوقت، (ومازلت أضحك على سذاجة ما فعلته إلا أني مازلت أتساءل عن براءة اختراعي التي لم أسع لأخذها بعد) . إن نشاطاً كالذي ذكرته لا يتطلب أكثر من فكرة بسيطة، وبقدر الجدية التي تبدو في المسمى يتم حقيقةً في جو من المتعة لا تُصدق .
وحول ما يلفت نظرها من أنشطة خُصصت في الأيام المفتوحة في كليّتها تقول: إذا كانت مطاعم من قبيل (بلمبي) و(دومينوز بيتزا) يعدان من الأنشطة (الثقافية).. فكل أيامنا الجامعية حافلة بالأنشطة (تلك) ومن ناحية تجاوب الطالبات، فلا تقلقي الحس (الثقافي) مازال بخير، ويبحث عن ضالة معدته.


ريم عبد العزيز تقول بصراحة إنها غالباً تفضل التغيب عن الجامعة في الأيام المفتوحة إذا كان هناك إعفاء من محاضراتها، كون الحضور بالفعل مضيعة للوقت، والترفيه وهمي نقضيه بين الأكل وزحام فوضوي على بعض الألعاب وغيرها، أذكر إنه لفت نظري مرة مشاركة من قسم علم النفس عبارة عن لوحة من قماش تحت اسم : لوحة التنفيس الانفعالي .. والمطلوب من الجميع أن يكتبن أي جملة يعبرن فيها عن مشاعرهن, كوسيلة تنفيس مرحة، إلا أنه أحزنني بعض الفتيات اللاتي شرعن في إسبال عبارات المدح والقدح في الفنانين باستهتار للفكرة , ومع ذلك كانت فكرة رائعة تستحق الإشادة. ولا أنكر - كما تضيف - أنه لم يسبق لي المشاركة في أي أنشطة ثقافية، ولو باقتراح للأسف الشديد، وأنسب التقصير إلى نفسي بكل خجل، إذ لا أنكر تخوفي من الصدمة التي قد تكون من النتائج المخيبة من قبل الطالبات. وأتمنى فعلياً إقامة مجلس طالبات للجامعة تُخصص له ميزانية محددة للرقي بالأنشطة الثقافية خلال الأيام المفتوحة.


خلود العيدان (طالبة بكالوريوس علم نفس بجامعة الملك سعود) تتمنى على الأقل تحويل نشاطات الأيام المفتوحة إلى ما يمكن وصفه بـ (جامعية) لا (نسائية) كما تصنّف عادة! فتحقيق التنويع حق للجميع، لقد كانت لي تجربة تأليف وإخراج مسرحية (رغم أنف العتمة)، وكان لها نصيب من التفاعل والتفاؤل والتجاهل! وحول إذا ما سبق أن لفت نظرها أي نشاط إبداعي خلاق خلال فترة الأيام المفتوحة، تقول: أحببت كثيراً زاوية صغيرة جلست فيها فتاة ترسم ملامح (بورتوريه) من ترغب بالقلم الرصاص. ولأكون صادقة لم تكن ترسم ذات الملامح بل أخرى.. أجهل إن كان السبب أن المطلوب أن تكون أجمل أم أنه قلم مبتدئ .. ولكن في كلتا الحالتين أحببت الفكرة .


وعلى سبيل إلقاء الضوء على النصف الآخر من الأنشطة الخاصة بالأقسام الرجالية يذكر القاص خالد الصامطي (بكالوريوس لغة عبرية جامعة الملك سعود) إنه لم يسبق أن شاهد أي
نشاط إبداعي في الجامعة بما يستحق الذكر، إلا أنه تقام بعض النشاطات الثقافية والرياضية ولها أماكن في كلّ كلية، أذكرُ أنني شاركتُ في مسابقة ثقافية تم تنظيمها في كليّة اللغات والترجمة، أما إعداد أنشطة، فلم يسبق لي فعل ذلك.

وحول ما إذا سبق أن اقترح أنشطة من منطلق اهتماماته الإبداعية يقول: طلبت مني عمادة شؤون الطلاب قبل أشهر بحثاً عن (كيفية رعاية موهوبي التعليم العالي وكيفيّة الاهتمام بهم والمجالات والمرافق التي يمكن استغلالها وتطوير عملها في سبيل تنمية قدراتهم في الجامعات)، قبل شهر، قيل لي إنه تم ترشيح ورقتي مع ورقتين أخريين من الطلاب، ومن الطالبات أيضاً تم ترشيح ثلاث ورقات، وذلك لعرضها في الملتقى الأول لموهوبي التعليم العالي الذي أقيمَ في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة . كان ملتقى رائعاً وقام على جهود فردية على رأسهم الدكتور ابراهيم علوي ومجموعة من طلاب جامعة الملك عبدالعزيز، وتم افتتاحهُ على يد وزير التعليم العالي مع أمنية بألا تظل الأوراق للاطلاع فقط دون تفعيل! كما حدث أن إدارة الأنشطة الطلابية طلبت من الصديق القاص أحمد البشري إعادة افتتاح النادي الأدبي بجامعة الملك سعود، فرشحني لمساعدته، وقمنا بفتح باب العضوية في النادي وترتيبه وإعادة هيكلته الإدارية، والإعلان عنه في الصحف المحلية والإنترنت، تفاعل معنا الكثيرون والتحق خلال أسبوع أكثر من عشرة أفراد ووصلتنا عشرات من طلبات العضوية عن طريق الإيميل، ومباشرة استضفنا مجموعة من مثقفي البلد في مقرّ النادي، جرى ذلك تزامناً مع معرض الكتاب في حينها، الذي أقيم في بهو الجامعة، وقمنا بتوثيق الحدث وما جرى من نقاشات خلال اللقاء، ونشره على صفحات النت، كل ذلك في سبيل إحياء النادي وإعادة نشاطاته، كنّا شعلة من نشاط، ثم خفتت الشعلة، وتفرقنا بسبب البيروقراطية التي تظل تقفز في وجوهنا، لا أريدُ الخوض في تفاصيل ما حدث، ولكن الإدارة المسؤولة عنّا تعمل بآلية تتعارض مع ما نطمحُ إليه، فقد حدثت عدة أمور ولقاءات مع مسؤولين في الجامعة، وانتهت بإعطائنا خطة لا تتوافق مع حماسنا الذي كنا قد أبديناه، كانت مجموعة من المسابقات في الخطابة والترتيل وما شابه ذلك من أمور لا يتعلق معظمها مع نشاط أي ناد أدبي، وحتى وإن تعلقت به، فهي لا تمت لرؤيتنا بأي صلة، وافترق الجمع بكلّ هدوء.

الخميس، ربيع الأول ٢٢، ١٤٢٧

تغطية// اختتام منتدى الإعلاميات الأول بجدل حول تطبيق التوصيات

الخميس 22 - 03 - 1427هـ
الموافق 20 - 04 - 2006م

اختتام منتدى الإعلاميات الأول بجدل حول تطبيق التوصيات

إعلاميتان من المشاركات في المنتدى

منال العويبيل - الرياض

في غلبة للجهد الفردي على التنظيم الرسمي عُقد منتدى الإعلاميات الأول صباح يوم الأحد الماضي برعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله ، بتنظيم أعدَّ جميع تفاصيله مركز المرأة السعودية الإعلامي بجهود مميزة للإعلامية ناهد باشطح، بمبادرة سبقت بها وزارة الثقافة والإعلام التي اهتمت فعلياً - أي الوزارة - بنجاح اللقاء كلبنة يُستنبط منها واقع الإعلاميات في المشهد المحلي بعنوان للعام الأول (الإعلام وقضايا المجتمع).
وبرغم اختلاف نوعية الحاضرات من الإعلاميات والأكاديميات والمهتمات بالشأن الإعلامي توحد حماس الحاضرات على النهل من هذه التظاهرة إذ بدأ بحضور مبكر وصل لساعة ونصف الساعة قبل بداية الفعاليات، والتي دُشنت بمفاجأة حضور الإعلامية والفنانة المخضرمة مريم الغامدي كمقدمة لفقرات المنتدى مستفتحة المنتدى بكلمة لوكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور حمد الجاسر، ألقتها نيابة عنه الأستاذة دلال عزيز ضياء، والتي أكد فيها أن النساء شقائق للرجال، وأن الوزارة مهتمة فعلياً بإبراز كفاءة المرأة السعودية بصورتها الصحيحة، والتي وصلت بعض الإعلاميات فيها لمرحلة فاقت بها الرجال.

تلا ذلك كلمة لراعية الحفل صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله ، أثنت فيها على جهود ناهد باشطح لإنجاح الملتقى، خاصة في هذه الفترة التي وصلت فيها المرأة السعودية إلى مضاهاة أفضل الكفاءات في الوطن، وهو تأكيد على ما حرصت عليه توجيهات خادم الحرمين الشريفين لتأخذ المرأة السعودية مكانتها بالصورة التي تعكس ما وصلت إليه من وعي وعلم.
وهو ما شكرته باشطح في كلمتها التي تلت كلمة الأميرة عادلة من ثناء على حرص خادم الحرمين الشريفين على إثبات مكانة المرأة السعودية، إلى جانب الرعاية الحانية الممثلة بحضور صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة كراعية الإعلاميات الأولى، مثنية كذلك على الدعم المعنوي الذي تبنته وزارة الثقافة والإعلام لإنجاح المنتدى.

اُستهلت الجلسة الأولى بإدارة المذيعة ريما الشامخ بأكثر الأوراق إثارة للجدل حتى اللحظة الأخيرة من المنتدى، وهي ورقة سمر فطاني التي فجرت فيها عددا من القضايا التي تقاطعت مع خطوط يمكن وصفها بالحمراء لعديد من فئات المجتمع تحت عنوان: (دور الإعلام في التنوير بقضايا المجتمع )، وقد جاء في حيثيات ورقتها أن اللوم الأول الذي من المفترض توجيهه حول الجهل بدور المرأة في بناء المجتمع يجب توجيهه بالدرجة الأولى للإعلاميات أنفسهن، واللاتي يعتبرن مسئولات عن كشط فترة الفكر الأحادي الذي أقصى المرأة عن الحياة العامة عن طريق الاكتفاء بواجبات منزلية لا أكثر.

ومن أهم ما طرحته إثارة للجدل كان فكرة ما يُلمس من عداء لا واعٍ تمارسه النساء ضد بعضهن رفضاً لتيار التغيير لأسباب تتركز في إبقاء الحال على ما هو عليه من عزلة النساء، يتمثل ذلك في عدة جوانب من رفض الكثيرات إصدار بطاقة الأحوال الشخصية التي تكفلت الدولة بسن قانونها, ومشكلة النقاب الذي يستخدمه البعض كعازل اجتماعي أكثر منه دينيا بحيث يُنظر للمحجبة دون نقاب بنظرة انتقاص دون احترام للرأي والظرف الذي استندت عليه في ذلك، كحالتها فترة العمل في أحد المستشفيات, كذلك رفض الكثيرات طرح قضية قيادة المرأة اللسيارة والاستكانة للاتكال على الغير في قضاء حوائجهن, وعدم تمرد المرأة العاملة على قضية التمييز المهني.. في سن التقاعد مثلاً الذي يُحد بـ 55 للنساء, إلى جانب ما حدث من جدل تلاه رفض حصص الرياضة في مدارس البنات, كذلك رفض الاختلاط بكافة صوره المعقولة حتى في أمكنة الترفيه العائلية، والتي أفقدت بضعا من الروابط الأسرية التي تتطلب المشاركة, وذلك كله بدعوى الخصوصية, إضافة إلى رفض مواكبة تقدم المرأة العربية وفي الدول الإسلامية بنوع من الاحتجاب عن المشهد الدولي.
ومن ثمَّ شددت في توصياتها على ضرورة إبراز المواقف الشرعية الصحيحة التي تؤكد أن الحياة امرأة ورجل شريكان بالتساوي بدعوة علماء الدين لتوعية المجتمع بذلك الدور.


تلا ذلك تقديم دلال عزيز ضياء ورقتها حول صورة المرأة في إعلام الفضائيات وضحت فيها ما يلعبه الإعلام المرئي من تأثير على الرأي العام في المجتمعات حد أن يصل لإعادة تشكيله صورة نمطية، كما حدث إبان أحداث الـحادي عشر من سبتمبر، وضرورة استغلال إمكانياته لتنمية الإدراك بعيدًا عن السطحية.

ومن جانب آخر تناولت الصورة النمطية التي أفرزتها الفضائيات للمرأة الخليجية بقالب المترفة المرتبطة بعالم الاستهلاك وسفاسف الأمور، عبر فضائيات غالباً ما يمتلكها أو يرعى إعلاناتها راع خليجي مفاقمين الوضع بتفاهات الرسائل القصيرة التي تنم عن غياب وتغييب لشريحة كبيرة من الشباب الفاقد أي هوية.


أما الجلسة الثانية فقد أدارتها الإعلامية منى أبو سليمان مفتتحة بورقة عمل للدكتورة عزة عبد العزيز حول معوقات الأداء المهني للمرأة السعودية، تناولت فيها عبر عجالة تاريخية حضور المرأة العربية في الإعلام المطبوع، وصولاً للسعوديات تحديداً، واللاتي حددت عدداً من أسباب تأخر ولوجهن للإعلام بدءًا بتأخر التعليم الرسمي، وضغوط المجتمع المتشددة في تقاليدها، والتهيب من عالم الإعلام المرتبط بفكرة حصره بالرجال، والاكتفاء المادي.

ومن ثم انتقل الحديث للشاعرة هدى الدغفق في ورقة مميزة الطرح حول الإعلام الالكتروني تحت اسم (الصحفيّة السعودية بين إعلام متحرر ومجتمع متغير) تناولت فيها مميزات الأدب الالكتروني بما يتفاضل فيه على المقروء من الحريات والحوار المباشر وسرعة الاتصال، وصولاً لنقطتها التي أثارت العديد من الجدل حول ما مكنه من قلب طاولة الواقع الإعلامي المقروء الذي غيّب المرأة لتمارس الإعلامية عبر الانترنت ما يُهضم من حقوقها بسبب تسلط الرقيب والمجتمع.

أما ختام الجلسة الثانية فكان بسيرة شاعرية إعلامية للدكتورة فوزية أبو خالد ، والتي عللت عرض هذه التجربة من منطلق أنها تجربة ذاتية لتيار جماعي، تناولت فيها مسيرتها الأولى الكتابية وصولاً للاحتراف الذي مازالت تشكو من قصور فعالياته في ظل نظام المؤسسات الإعلامية الحالي الذي يكرس حضوراً ظلياً للمرأة لا أكثر، وأنها بعد 36 عاماً من المسيرة الكتابية مازالت تشعر بأنها مستضافة في الإعلام أكثر منه كمضيفة فاعلة في صناعة المشهد.

وأخيراً كُلل الحفل ببادرة وفاء لرائدة الأثير الإعلامية (أسماء زعزوع/ ماما أسماء) حيث قدمت لها صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله درعاً تذكارية بمعية ناهد باشطح، علَّ هذا الضوء المسلط عبر منتدى الإعلاميات الأول يشع بمعرفة أوسع من قبل المتلقين للرواد الذين خدموا الوطن، فجهلهم أهله أو تجاهلوهم بالمعرفة، وهو ما تردد من بعض الحاضرات بمفاجأة عدم معرفتهم بمسيرة الرائدة المكرّمة!.

وفي ختام الفعاليات دار جدل واسع إبان عرض الإعلامية ناهد باشطح لتوصيات المنتدى التي اقترحتها أوراق العمل والحاضرات، بتشنج واضح من البعض أفرزه تشاؤمهن من القادم، وهو ما أكدت عليه ناهد باشطح من ضرورة التفريق بين ما يمكن تحقيقه من عدمه، كون الأمر ليس صب جام غضب مما تمارسه المؤسسات الأهلية على الإعلامية من ضغوط، بحيث يحوّل تنفيسها في وجه وزارة الثقافة والإعلام، كون أخذ الأمور بروية وتفاؤل بالمشهد القادم هو الكفيل الوحيد بالتغيير، كما أضافت إن هناك اهتماما كبيرا من قبل الجهات المسئولة ممثلة بوكيل وزارة الثقافة والإعلام، والوزير نفسه برفع التوصيات للدراسة والتطبيق، بما يعزز رغبة حقيقية في إثبات مكانة الإعلاميات السعوديات.


على صعيد آخر وفي حوارات سريعة مع أبرز الإعلاميات سألنا سمر فطاني حول مدى ما تحققه الجرأة من فرقعة جدل أو مسعى للتغيير، أجابت عنه بأن الصمت هو عدونا الأول، نحن هنا - كما تردف - لا نستعرض المكرور من الأفكار والرؤى، بل يجب علينا طرح كل ما نتهامس حوله ليُسمع ويُناقش دون إقصاء لوجهات النظر الأخرى ، آملة من الجيل القادم تبني هذه السياسة بشفافية أكبر في الحوار.

كذلك وفي لقاء سريع مع (ماما أسماء) بعد التكريم شكرت فيه المبادرة وأوضحت أن هذا الحب الذي تُكلل به هو أهم ما في التكريم نفسه بعد هذه المسيرة الطويلة، وأكدت أن المستقبل صار بيد الجيل الجديد المتسلح بأفضل الشهادات التي تسهل له تذليل الكثير من العقبات بعد زمن كان مجرد حصول إحدى الفتيات فيه على الشهادة التوجيهية المتوسطة حدثاً كبيرا.
ومن ناحية أخرى لم تنس أن تأتي على ذكر الرائد الراحل عزيز ضياء وما مثله لها من دعم كبير ساعد في وصولها لهذه المرحلة، والتي تكملها تالياً ابنتها دلال عزيز ضياء في مجال الإذاعة، إلى جانب حضور ابنها ضياء عزيز ضياء كأحد أهم الفنانين التشكيليين في الوقت الحاضر.

ومن ناحية أخرى تحدثت لنا دلال عزيز ضياء مشيدة بجهود مركز المرأة السعودية الإعلامي الذي تابع خطوات التنظيم وتفاصيل الاستضافة بكل تفان، وتضيف في خطاب توجهه للإعلاميات إنه لا يكرّسن فكرة الفصل بين الإعلام الرجالي والنسائي بحيث نصل لمرحلة من التعاون المشترك في إعلام سعودي موحد، وهو ما يؤكده كثير من المسئولين ، فالمرأة وصلت لمكانة موازية جعلتها ترافق خادم الحرمين الشريفين في رحلاته الدبلوماسية كواجهة مشرفة باسم الوطن، إلا أن على الإعلاميات العمل على بروز أكبر بعمق ثقافي ومهاري لا يجعلهن متجاهلات ليفاضل عليهن اصطحاب أكاديميات في مثل هذه المناسبات المهمة.

أماني العطاس خريجة قسم إعلام من جامعة العلوم والتكنولوجيا رأت في منتدى الإعلاميات الأول فرصة لها للتواصل مع هذا الجمع من المحترفات، خاصة أنها في فترة بدايات مجهولة الدرب، فما يفرزه الحوار والاقتراحات - كما تضيف - كفيل بإيضاح الصورة للجميع.


من هنا وهناك:

- كان لحضور الأميرة عادلة مردود معنوي استنصر فيه كثير من الإعلاميات لإيصال أصواتهن للمسئولين.- كان نصيب سمر فطاني عدد كبير من المداخلات التي استهجنت الحيثيات المثيرة للجدل في ورقتها خاصة قضية النقاب والاختلاط إلى آخر لحظة من المنتدى.

- حظيت (ماما أسماء) بشعبية كبيرة وتجمهر العديد من الراغبات بمجرد تحيتها، والذي دلل على مكانتها عند الجميع تقديراً لجأشها الذي غلب الزمن الآخذ في وشم أثره عليها.

- اقتطع قسم كبير من فترة الاستراحة لوصله بالمدة المحددة للمداخلات التي تراوحت بين سخونة النزعة، وواقعية الطرح.

- نالت مداخلة د. سهيلة زين العابدين النصيب الأكبر من تأييد الحاضرات وتشجيعهن والتي شددت فيها على حل وضع الصحفيات بنظام (القطعة)، وهو المصطلح الذي وصفت به نظام التعاون مع المطبوعات دون حقوق وعقود عادلة.

- من أبرز مميزات المنتدى، باعتراف سواد الحاضرات، ما سنح من الحوارات الجانبية المباشرة بين الإعلاميات من كافة القطاعات، إلى جانب حوار الجيل الصاعد منهن مع من هن أعلى سقفاً في الخبرة والاحتراف.- علَتء بعض الأصوات المتشنجة في المداخلات بأسلوب يضمّن تقوّلاً على نوايا المشاركات في هيئة سؤال، مما يعكس حقيقة وجود نماذج ما زالت ترزح تحت وطأة الرأي الواحد
.

الاثنين، ربيع الأول ١٩، ١٤٢٧

تغطية// مسرحية "أخيرا عدنا" تردم الهوة بين المرأة والمسرح

الاثنين 19 - 03 - 1427هـ

الموافق 17 - 04 - 2006م

وسط حضور جماهيري ضعيف
ا"أخيراً عدنا".. تردم الهوة بين المرأة والمسرح

الرياض - منال العويبيل





بوستر عرض (وأخيرا عدنا)0


كثيراً ما ترتبط البدايات المتأخرة بنظرة قاصرة تستحضر فكرة من قبيل: أميّة كهلة ترغب في التعلم، إلا أنها رغبة صادقة في كسر الحاجز النمطي الذي يحصر وجوهاً عديدة من الفنون خلف حُجب المشبوه والمرفوض دون أي التماس لتسييسه بما يناسب وضع المجتمع، بهذا جاءت أول مسرحية سعودية نسائية تحت عنوان: ( وأخيراً عدنا ) أول مسرحية تجيزها وزارة الثقافة والإعلام كمحاولة بكر لردم هوة بين المتلقيات و(أبي الفنون) ، واللاتي لم يتسن لهن قبلاً حضور عروض مسرحية محلية، سوى عرض لنفس المسرحية تحت اسم: (وأخيراً عادوا) بطاقم تغير بعضه.
أقيم العرض الأول يوم الأربعاء على مسرح مركز الملك فهد الثقافي في مدينة الرياض، بحضور قليل يعزى لتواضع الإعلان عن المسرحية وأوقات عرضها بما يكفل استقطاب العديد من الراغبات بنهاية أسبوع تكسر تقليدية إجازتهن في العاصمة.

وسط تحفّز من الحاضرات وحماس عدد من الأطفال الذين حضروا مع أمهاتهم بدأ العرض في تمام التاسعة مساءً بتأخير وصل إلى نحو الساعة عن الوقت المفترض، وهو ما فسّرته مديرة الإنتاج رهام زكي بانتظار لحضور متوقع من قِبل جمعية الأيتام.. وقد تميز المسرح بمؤثرات فنية مميزة للإضاءة والصوت، وديكور اُعتني بظهوره بما يناسب الجو الاجتماعي للمسرحية، إلا أن إضافة خلفيات غرافيكية على جدران محيط العرض - وإن واكبت هذا الجو- أضفت حساً ناقض واقعية الموضوع.

وبناء على الوصف المدرج في البروشور جاءت المسرحية بطابع كوميدي اجتماعي ساخر، لامس عددا من الموضوعات في المجتمع بدءًا من العنوسة، والخلافات الزوجية، وسطوة الخادمات، في قصة قدمتها (نورة العبد الله)، وصاغ السيناريو والحوار لها (محمد خلف)، وأخرجتها (مها العنزي) التي شاركت كذلك في البطولة، بطرح جاذب ضُمِّن في قالب فكاهي أجادت تمريره الممثلات، خاصة مها العنزي (في دور تهاني) بحس عال تفوقت فيه على زميلاتها مقارنة بأنها التجربة الأولى، وأغادير السعيد (في دور الخادمة)، إلى جانب حضور مميز لنجمتي (طاش ما طاش): شيرين حطاب(في دور عبير) والتي عرفها الجمهور في دورها الملازم لشخصية فؤاد في المسلسل المذكور، وأمل حسين (في دور غادة)، إلى جانب نادين حلواني (في دور سحر)، وأخيراً الطفلة ريم التويجري.

دارت الحبكة حول (تهاني) الزوجة المدللة التي تقود صديقتيها (غادة) و (عبير) إلى اعتصام في منزل والدتها، يقاطعن فيه أزواجهن بسبب ما اعتبرنه إساءة لفرط دلالهن ومتطلباتهن التافهة التي تنم عن استهتارهن بمسئولية الحياة الزوجية، مما قادهن لهذا الاعتصام والمقاطعة التي شملتء اعتزالهن لكل ما يمتُّ لعالم الذكور بصلة، شاملاً ذلك الأطعمة والأشربة وكافة الكماليات ذات الوصف المذكر وسط مقالب لفك المقاطعة من قِبل الخادمة (ماريا)، وسخرية واستنكار من الأخت الصغرى لتهاني والأوسع أفقاً (سحر)، والتي يجدر الإشارة إلى تواضع أدائها إزاء المشاركات الأخريات بما لم يوافق أهمية دورها، وهو ما اتضح في عنايتها بتفاصيل جانبية تنم عن قلة خبرة، كتركيزها على المظهر مما شتّتء جدية أدائها بما يناسب دورها.

وتجاوزاً عن كونها التجربة المسرحية الأولى يجدر إلقاء الضوء على بعض الحيثيات التي يجب أخذها في الاعتبار، من منطلق أن مكاشفة الأخطاء تعد الكفيل الوحيد لتجاوزها تالياً، فقد وُجدت بعض الثغرات في النص، خاصة في الخط الزمني للأحداث، والتوجه الخطابي في بعض الحوارات، من قبيل مصارحة الذات بأخطائها، وهي المرحلة التي تصل إليها البطلات في نهاية العرض كأكليشيهات مباشرة لا تُحكم وصولها للمتلقي برسالة تترسخ بقدر ما تَعبر، خاصة أن حداثة هذا التوجه الفني عبر المسرح تحتاج إلى التقاطع مع الجمهور بتأثير حقيقي يحفّز للاستزادة منه.
إضافة إلى دور الطفلة (ريم) التي أُقحمت فكرة حضورها في دور المعاقة دون أي سياق يخدم هذه الفكرة، أو يتعرض لهذه الفئة بهدف محدد.

في حوار سريع تحدثت لـ ( اليوم ) مها العنزي بطلة ومخرجة المسرحية، والممثلة أغادير السعيد، وأوضحتا حماسهما للعرض رغم قلة الحضور، وهو ما توقعتاه بسبب ما لاحظتاه من تواضع الإعلانات عن العرض في الصحف، وتعقب (أغادير) على ذلك: تمنينا على الوزارة تكثيف الإعلانات بطريقة أكبر وأكثر جاذبية، تستقطب الجمهور ، خاصة أن العرض مقتصر على نهاية الأسبوع، ولا يخفى على أحدٍ كمّ الارتباطات والمناسبات العائلية في هذا التوقيت.

وعبرت أغادير عن سرورها لاستئناف التجربة بعد عرض المسرحية إبان عيد الفطر، خاصة أن هذا الاستئناف جاء بناءً على مطالبة الجمهور، ورغبته في تفعيل المسرح النسائي طوال العام.

وهو ما أكدته (العنزي) بأن الجمهور متلهف لهذا الفن لأنه يعلم أي متعة وقيمة يمكن تقديمها دون تجاوز لتقاليد المجتمع. وحول الانتقادات التي قد توجه للعرض، أو سبق أن واجهتهن تخبرنا (أغادير) بأنها لم تصادف أي انتقاد أو استهجان حالياً أو في فترة العرض السابق، بل إنها لن تنسى إصرار بعض الحاضرات على القدوم خلف الكواليس لتحية الممثلات شخصياً متمنيات المزيد مما يقدمنه.

ومن منطلق ولاء المجتمع الأول للتلفزيون، وبعد ما تردد بين الجمهور من أمنية باستقطاب حضور (مها العنزي) و(أغادير السعيد) المفعم بخفة ظل ستثري أشهر سلسلة كوميدية سعودية (طاش ما طاش)، تجيب (العنزي) بأن الأمر غير وارد لديها، حيث إنها لا تفكر في الاتجاه إلى الظهور التلفزيوني. كما أنها تعي أن هذا الجهد في المسرح لن يطاله أي قبيل من التوثيق، إلا أنها تجد أن لذة الوصول للحاضرات بفكرة وبسمة كافية بالنسبة لها، ومغنية عن أي توثيق.
كما أننا - كما تضيف - نضع نصب أعيننا الاستمرار، كون هاجس التوقف أو (الإيقاف إن أمكن الوصف) ظل مطارداً لنا طوال فترة التحضيرات، هذا الاتكال ينصب على ردود فعل الجمهور التي ستشجع الوزارة على دعم هذا الاستمرار، إلى جانب الاهتمام الإعلامي، كوننا نعتمد في القادم على طرح أعمق وأكثر اقتراباً من مشكلات أعمق مسكوت عنها، وهي مرحلة سنصل إليها حين يثق الجمهور بأن المسرح لن يشرخ تقاليده بقدر ما سيساعده في وضع اليد على الجرح، إلى جانب ما يقدم من متعة هادفة، فنحن غير مهتمات بمجرد العبور دون إيصال رسائل تعني المجتمع.

وحول حيثيات مهمتها المزدوجة بين الإخراج والتمثيل في نفس الوقت تقول: كان الأمر سلساً، خاصة بمشاركة محترفتين كشيرين حطاب وأمل الحسين، إلى جانب خبرة أغادير السعيد كإذاعية، فاتساع أفقهن الفني سهّل المهمة عليّ كثيراً، ولا أخفيك أن عدداً من المواقف والمعالجة للأحداث تعاونّا عليها بطريقة حميمية، ولا شك في أنكم شعرتم بها كجمهور، بحس أقرب للارتجالي دون أن نحاول الاتجاه إلى الإسفاف أو الابتذال في الأداء.

وحول من قد يزايد على فكرة أن المسرح النسائي سيكون منفذاً لمذموم، كمشاركة قادمة للعنصر الرجالي، أو الاتجاه للتصوير، ترد: كلنا ثقة بأنه لا يصح إلا الصحيح، إذ إن هدفنا واضح ومحدد بخصوصيته، ولن تعيقنا افتراضات لا تتجاوز الثرثرة، فقط ستعي تالياً صحة ما نقدمه، فعملنا هو إثباتنا الوحيد على نبل هدفنا. وعلى سبيل المثال أُعد نص المسرحية بسياق لا يتطلب حضور رجل، بغير حضور صوتي لمكالمة من زوج (تهاني) في آخر المسرحية لا أكثر، أُعدت مسجلة.
وعلى العموم لن يعي تقديم عالم المرأة همومها وأفكارها سوى امرأة مثلها، وهو ما نرغب في تقديمه أصلاً.

كما أعلنتا عبر ( اليوم ) عن مشروع قادم لانتقال العروض لعدد من المدن خارج الرياض في أبها، وجدة، وغيرهما، كمرحلة منعشة للمسرح النسائي عبر المملكة، إلى جانب مشروع مسرحي يجري الإعداد له بحيث يجهز للعرض فترة الصيف.

على صعيد آخر رعت العرض الأول حرم وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية د. عبد العزيز السبيّل، وبعض الإعلاميات، كما حرص فريق الإنتاج على تقديم لفتة تجد رواجها لدى عديد من الناس في تقديم سحب على جوائز قُدمت في نهاية العرض.إضافة إلى أن فكرة فتح الحضور المجاني وتحديده بنهايات الأسبوع لمدة ثلاثة أسابيع قادمة يُعد عاملاً يُحسب لفريق إعداد المسرحية.

الخميس، ربيع الأول ٠٨، ١٤٢٧

تحقيق// ومات الماغوط.. قصيدة النثر خسرت أحد أبرز أعلامها



اليوم الثقافي
الخميس 08 - 03 - 1427هـ
الوافق 06 - 04 - 2006م



مات الماغوط.. قصيدة النثر خسرت أحد أبرز أعلامها



الحرز: الماغوط كتب الشعر لإرضاء ذاته.. وعاش على هامش التجربة الشعرية


عبدالوهاب أبوزيد ، منال العويبيل - الدمام ، الرياض


في انتصار لوهن جسده على جأش روحه.. مضى محمد الماغوط مورثاً الشعر الحديث ثروة جمة من الغيوم الإبداعية الملونة ، والتي أجاد زخها حتى الرمق الأخير الذي سبق فيه سيف الموت عذل يراعه. موت الماغوط أرخى ظله كثقب في صدر سماء المشهد الثقافي العربي، والذي قُضَّ في السنوات الأخيرة مهجعه بأكثر من فقد.
لقد خسرت قصيدة النثر أحد أبرز أعلامها، والذي يتكل على مثل تميزه مؤيدو هذا النوع من الأدب كشعرة فارقة بين الثرثرة الجوفاء وباسق النثر.

يقول الشاعر الناقد محمد الحرز: تأتي تجربة الماغوط في سياق التجريب الشعري في الوطن العربي فمنذ ديوانه الأول ( حزن في ضوء القمر) سجل موقفا يحمل الكثير من السمات اللافتة للنظر إذ إنه جاء من الهامش؛ هامش الحياة، وكان منصتا تماما لحركة التحول الشعري في العالم العربي بخلاف شعراء مجلة شعر الذين كانوا مهووسين بالترجمة والفارق بين التجربتين هو أن تجربة الماغوط حملت هاجس التأثر المباشر بسياق التحولات الشعرية والثقافية بعيدا عن التنظير وبصوت هادئ جدا وإن لم تخل كتابته من الملمح السياسي فما لم يقله في الشعر قاله في المسرح إذ لا يخفى الحس السياسي والأيديولوجي في مسرحه وفي بعض جوانب شعره ولا شك في أن التحولات السياسية والاجتماعية والأيدلوجية في الخمسينات والستينات قد تركت انطباعا على كل الشعراء بصفة عامة ولكن الماغوط ضمن مجموعة اخرى من الشعراء مثل فؤاد رفقة وأنسي الحاج ، كتب الشعر لإرضاء ذاته قبل كل شيء وكان يعيش على هامش التجربة الشعرية.


ويستحضر الشاعر محمد خضر دهشته بوقع نبأ رحيل الماغوط حيث يقول: فاجأني خبر رحيل محمد الماغوط , أذكر أني قرأت (غرفة بملايين الجدران ) ولم أكن قد كتبت شعرا يومها، كان الماغوط يشكّل طوال مسيرته وقعاً جميلاً في عالم الشعر، وتحولاً كبيرا على صعيد القصيدة العربية, ودوما كان الدلالة والإشارة القوية والمثيرة، كأصلح رد على معارضي ذلك النوع الذي يكتبه الماغوط , رحل الماغوط وهو الذي طالما غرّد (خارج السرب )، وطالما كان شجنه ممتدا إلى وطنه العربي الكبير.. الماغوط شاعر استطاع أن يقيس مواجع الشعراء بمشرط حاد.. ومضى نحو قصيدته أبداً تاركاً لنا أن نصاب بدهشة أبدية.
أعتقد أن أهمية الماغوط تكمن في كونه من الشعراء الملتزمين بما يكتبون ، فدوماً كانت قصيدة النثر - وإلى آخر أعماله - هي إيمانه الوحيد.. لم يكن الماغوط يتنقل هنا وهناك كالبقية.. كتب قصيدته، وحافظ على وجودها حتى آخر رمق، وبقي الآخرون يتخبطون هنا وهناك بينما هو ينتج ويظل يلامس أوجاعنا ودهشتنا.

الشاعرة ضياء يوسف تخضب بوحها للماغوط في رحيله بما يتقاطع والشعر نفسه:
نريد أن نرثي رحيلك يا محمد.. يا شلال النرجس البري .. يا سحابة من العصافير.. يا طعم الخبز في تسكع الطريق .. ورائحة الطفولة العتيقة.. نريد ولكن كلماتنا مطفأة مثلما قلت أنت ( بعض الكلمات زرقاء أكثر مما يجب, صعبة وجامحة, وترويضها كترويض وحش). تماما مثل الكلمات الأخيرة التي قلت إنها ستقال في ليلة ما (لأن يدك سفينة مطفأة بين دربين من النجوم). هجرت المطر والريح إذن! تركت الجوع يتراكم لا على أسنانك بل على أسنان هذا العالم أجمع.. كما يتراكم الثلج على أجنحة العصافير!.
قلت إنك لن ترحل تحت النجوم ولن تطأ الأمواج الصافية بحذائك، وأنك ستظل في مؤخرة السفينة تنهش خشبها كاللحم.. تعبرها موجة موجة على رؤوس الأظافر. لكنك رحلت.. قدمك صافية وقلوبنا تنهشها الخسارة.
استسلمت للذهاب أخيرا فهل هناك حيث ذهبت أخت صغيرة كنت تشتهيها ذات عيون فستقية وجدائل مربوطة بالقنب لتبتلع يديها الصغيرتين كالنعناع! هل ثمة ضحكة كنت تشتهيها عالية علو النجوم تخلخل ملايين الجدران وتطحنها أمام عينيك كالرمل! هل ثمة شيء يستحق هذه الفاجعة!.
كنت الصبح الذاهب لأغصان السنابل .. وكنت الصبح الذي كلما جاع شعشع.. سلام طويل يا محمد مقصود تماما مثلما تجيد حفر النهد والتنهد في أشعارك كلها.. سلام الأغنية والهتاف والدمع الأبي .

من ركن آخر ، وقبل عامين مضيا كتب الشاعر محمد الفوز مقالة أعلن فيها وفاة محمد الماغوط على شبكة الانترنت سببت ضجة كبيرة في الوسط الإعلامي، لدرجة تقصي عدد من الصحف والمهتمين لصحة الخبر من مقربين للماغوط. ويخبرنا محمد الفوز عن إعلانه هذا الخبر متقدماً على حقيقته بقوله: نعم أنا من أعلن وفاة محمد الماغوط قبل الموت.. هو رجل تحدّى كل شيء لكنه لم يقهر الموت.
لقد مات الماغوط منذ زمن بعيد.. لقد مات الماغوط و لم تبق سوى عينيه محلقتين في مرايا الضباب .

ويرى الشاعر خالد العنزي في رحيل الماغوط من الفقد بما لا يلؤم ..........خسارته، يقول: كان محمد الماغوط بالإضافة لكونه أحد رواد الشعر والحركة الثقافية صاحب طرح إبداعي متميز، وطليعة لجيل من الشعراء الملتزمين بمشروع حضاري ناصع الهوية أسس لمفاهيم وقيم ذوقية وجمالية جعلت الشعر رديفا للرغيف في حياة الإنسان العربي. لا يمكن لشاعر كبير وعملاق مثل الماغوط أن يكون محسوبا على مدرسة أو طرح محدد، بل على العكس تماما كان محسوبا فقط على حالة إبداعية صنعت من الشعر رقيبا على حركة تشكل اللغة في قصيدة النثر ودمجها ضمن سياق قوالب شعرية حديثة متجددة.
مر الماغوط بعدد من المراحل في بداياته قبل تشكل هويته الأدبية متأثرا بالظرف العام للمجتمعات العربية ورافقها في رحلة تحقيق الذات والبحث عن الهوية ردحا من الزمن ، إلى أن وجد في قصيدة النثر إطارا يمكن من خلاله الدمج بين الشعر كحالة إبداعية وكممارسة أدبية .


ويجد الشاعر طلال الطويرقي في إرباك غياب الماغوط خروجاً من باب أخير للشعر والحياة، يقول: هل يظل الجمال نهبا للموت هكذا؟ راحل باتجاه القصيدة تحمله قدماه!، نشعر بربكة عارمة حين ينتشل الموت مبدعا ليخرجه خارج الشعر/ خارج الحياة ، برحيل هذا العملاق الذي دخل ( المزة ) بحذاء ضيق ليكتب عنه ، ويهرّب النصوص بملابسه الداخلية لتصبح أكثر واقعية ودهشة وجنونا.
هذا الراحل باتجاه القصيدة تحمله قدماه.. عاش حياته بواقعيته المنهكة بين مرض السرطان وقلق النص المدهش. بقامة شبه مرتجلة وقف شاعرا ومبدعا من (المزة)، حتى مجلة ( شعر ) التي تشكّلت قامته هناك فوق صفحاتها.
هذا الراحل الكبير ينحاز بواقعيته المعهودة للموت.. هكذا وحيدا كغصن.. عاليا كوردة.. عميقا كسبات مفاجئ.


الاثنين، ربيع الأول ٠٥، ١٤٢٧

تحقيق// المثقفة السعودية مفاجأة الدوري


اليوم الثقافي

الاثنين 05 - 03 - 1427هـ

الموافق 03 - 04 - 2006م


المثقفة السعودية (مفاجأة الدوري)00
ذهول الغذامي يدل على تناقصات مثقفينا

جانب من إحدى جلسات ملتقى النص


الرياض - منال العويبيل

دار كثير من الحديث في سنوات خلت حول النظرة المتعالية لدى البعض لما يعرف بالمراكز الثقافية العربية تجاه المبدع والمثقف في منطقة الخليج بشكل عام والمملكة بشكل خاص. تجسدت تلك النظرة والموقف الملوث بالتعالي في عبارات الاستغراب أو الإشادة المبالغ فيها التي كانت تندلق من أفواه أولئك البعض عند مشاركة شاعر أو قاص سعودي في احد المحافل الأدبية التي تنظمها تلك المراكز.

كانت تلك النظرة المعبرة عن وجود صورة نمطية سلبية في ذهن المثقف العربي للإنسان في منطقة الخليج، باعث استياء وامتعاض لدى المثقفين عبر عنه أحد المثقفين بقوله: لقد سئمنا من تعامل الإخوة المثقفين العرب معنا وكأننا مفاجأة الدوري.

يمكن القول الآن إن المثقف السعودي لم يعد "مفاجأة الدوري". ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن بشكل مفارق ومتجه للداخل ، فقد أصبح بعض المثقفين السعوديين ممن يوصفون بالتقدميين يتبنى ذلك الموقف المتعالي، ليس تجاه المثقف العربي كنوع من الثأر أو الانتقام ، ولكن تجاه المثقفة والمبدعة السعودية كما يتجلى في الاحتفاء المبالغ فيه بالمنجز الإبداعي أو البحثي والفكري النسوي.

وفي حادثة في ملتقى النص السادس بجدة ، قد يرى البعض أن النظرة المتعالية تجاه المرأة قد أطلت فيما قاله الدكتور الغذامي عن ورقة الدكتورة لمياء باعشن: "أذهلتني ورقة د. لمياء باعشن فغيرت مسار ورقتي".

وبعيداً عن تحميل النوايا بما قد يُحسب على طرف ما دون آخر ، نحاول تلمس المشهد بأبعاده ، مما قد تراه المثقفات في هذا النمط من التعاطي، والمثقف الرجل وحقيقة فوقيته أو مباركته.

ومن باب أن (أهل مكة أدرى بشعابها).. تقاطعاً مع فكرة ما حصل للدكتورة لمياء باعشن في ملتقى النص السادس في جدة ، توضح ما لمسته بقولها: د. الغذامي فوجئ بقراءتي حد وصفها بالمذهلة، وهي المفردة التي كررها أكثر من مرة خلال الملتقى، وأثق بأن الأمر لا يتجاوز تلمسه طرحاً مميزاً، إلى جانب أنه قد يؤثر على ما أعده في ورقته الخاصة، وشعرت بالفعل بأن اصطفاءه تقديم ورقتي لا يحمل حساً يعدو اعترافاً منه بجودة الطرح.
وتجد د. لمياء أن الحاصل في المشهد المحلي اليوم نجد فيه كِلا الطرفين نساء ورجالاً مفاجأتين للدوري (إن أمكن الوصف)، وهو أمر لا يُستغرب ونحن الخارجين من ثقافة مازالت منغلقة وذات مستوى تعليمي بسيط، إلى جانب نمطية في التفكير تجلد الخارج منها بما لم يألفه المجتمع، فأي خروج لامرأة أو رجل بنسق إبداعي لا يعيه المجتمع، ويصل لمرحلة من التفوق بما قد يُزعزع أركان هذه النمطية.. من الطبيعي مقابلته بالاستغراب حد أن نستكثر خروجه أو نستهجنه حتى.

ولنأخذ الدكتور الغذامي كمثالٍ أحدث ثورة في التفكير على صعيد الإبداع المحلي والعربي، فاستنكار بروزه لا يمكن ركنه لعلّة خروجه من مجتمع متأخر عن غيره في التاريخ الإبداعي أو الثقافي فقط بل لابد من الإقرار بالإعجاب الحقيقي.

وعطفاً على المرأة المثقفة التي أجد شخصياً أنها لم تصل لمرحلة كبيرة من الاحتفاء بما يجلب استغرابه، إلا أن مجرد خروجها من مجتمع مارس لفترة طويلة الحجر على فكرها وعطائها كضغوط استمرت مدة طويلة من الزمن، إلى جانب النظرة النمطية من أن المرأة ذات مستوى ساذج أو بسيط من التفكير.. يجيء خروجها بإبداع يقلب حسابات النمط القاصر صادماً من قِبَل الوسط المحلي والخارجي أيضاً.

ومن ناحية - كما تضيف د. لمياء - لا ننكر أن المجال مفتوح على أوسعه لإبداع المرأة، خاصة في ظل محدودية المنافسة بين النساء لقلة من برز منهن، فمازال المجال رحباً. ولا ننكر حقيقة أننا قد نجد المرأة تمارس الضدية تجاه نظيرتها أكثر مما قد يفعل الرجل تجاهها،حتى لنجد أحياناً أن التعامل مع الوسط الثقافي الرجالي أكثر أريحية. إلى جانب أن الرجل قد يجد في إبداع المرأة ما يستحق الاستبشار به. ومن منطلق أن عالم النقد مازال حديث العهد، لا نستطيع إغفال الاحتفائية التي تُدبّج بها روايات ودواوين الشعر للشباب والشابات على حد سواء بأسماء كبيرة تحتفي بالمنجز. إن ما يؤزم الوسط الإبداعي أكثر من غيره لمز المبدع الشاب بالتشكيك به، وهو ما حصل مع (رجاء الصانع) ، و(ليلى الجهني) خاصة بعد تأخر إصدار جديد لها ، و(محمد حسن علوان) بعد "سقف الكفاية" لمجرد أن ما تلاها لم يأخذ ذات الضجة التي سبقتها.


الشاعرة والناقدة أسماء الزهراني تجد أن موقف الغذامي لا يرتكن لشخصه بقدر ما يستحضر التراكمات من اللاوعي الجمعي، تقول: إن دل ذهول الدكتور الغذامي من ورقة د. لمياء باعشن فهو يدل على أحد تناقضات مثقفينا، لاسيما الدكتور الغذامي صاحب (المرأة واللغة) ، و(ثقافة الوهم) لكن السؤال هنا: علام يدل ذلك التعاطف والمبالغة في التعامل مع إنجازات المثقفة السعودية من قِبَل المثقف؟ إنه في أحسن أحواله يأتي عفويا من تحت طبقات متراكمة من اللاوعي الجمعي، الذي يعد المرأة مرتبة دنيا من الخَلءقِ الإنساني. وهي نظرة لا تخص المجتمع العربي وحده ، لكن هذه النظرة أثبت الواقع ومازال يثبت خطأها ، فهل سيظل المثقف السعودي خاضعا للاوعيه للأبد؟ أم سيفيق على كون جارته تشاركه المضمار بجدارة، ومن موقع لا يسمح له بتقييمها وفق نظرة متعالية مهما كان دافعها جميلا وإنسانيا.
وإن رجحنا بأن تغيير مسار ورقته لكيلا تشاركه امرأة في الوقوف على قمة أخرى أراد أن يصنعها لنفسه بورقته التي جاء ليشارك بها في الملتقى، فهنا تفسير آخر لذهول أستاذنا الغذامي، وهو تفسير محتمل بقوة بالنظر إلى تحليلاته هو لمواقف كثير من المثقفين في سرده لحكاية الحداثة، إنه يعول كثيرا على مركزيته في الثقافة السعودية، وبينما مكانة أستاذنا في ثقافتنا المحلية بل والعربية لا يمكن إنكارها، ولا التقليل من حجمها، إلا أنها لا تعني أن تتحول إلى ولع بالظهور وتعالٍ على مشاركة الآخرين إنجازات يفترض أن نسعد بمشاركتها تحت مظلة الانتماء للحقيقة التي هي وطن المثقف وجنته.


القاصة والصحفية مي خالد تتناول التساؤلات بقصة طريفة حدثت معها في خضم عملها الصحفي، تقول: قبل فترة بعث لي محرر الصفحة الثقافية في الاقتصادية يخبرني أنه تلقى أسئلة حول شخصي إن كنتُ رجلاً يكتب تحت اسم مستعار؟! فهمت من سؤال كهذا أن مقالاتي جيدة! كما أخبرني شاعر مرموق أنه يفكر جديًا في الكتابة باسم أنثوي!.

ومن منطلق أهمية تأريخ هذه المرحلة الحساسة من عمر ثقافتنا وأنوثتنا في آن ، حيث بدأت المرأة تكتب تاريخ المرأة كما سبق أن كتب الرجل تاريخ الرجل، يعنيني مثل هذا الطرح بالفعل حول المثقفات السعوديات!.

إن المجتمع يتعامل مع المرأة بوصفها قاصرًا، طفلاً يتعلم الأبجدية، فحين تقدم قاصرٌ ورقةً تقول فيها: (الأنوثة عماد الخلق الفاضل) فإن الجميع سيندهش لبراعة هذه المرأة وكلٌ سيصفق على طريقته!وحول ما إذا استبعد الغذامي أن يتقاطع أحد أيًّا كان "امرأةً أو رجلا" مع ما حبّره في ورقته عن حمزة شحاتة تقول مي: حتى أنا أستبعد، كيف وهو صاحب (الخطيئة والتكفير) ، جيلي لم يكن ليعرف حمزة شحاتة لولا كتاب الخطيئة والتكفير، بالرغم من أني لم أقرأ ورقة د. لمياء باعشن، أو ورقة الغذامي إلا أنني أستبعد أن تتقاطع الورقتان! ولا يبرر التقاطع إلا أن الورقتين قدمتا في نفس الموضوع، فورقة د. لمياء باعشن كما تقدم كان عنوانها (الأنوثة عماد الخلق الفاضل)، أما ورقة الغذامي فعنوانها (الرجولة والخلق: الفاضلة القاتلة).

كما أن الغذامي من أبرز الأسماء التي قدمت للنقد النسوي في المملكة، وأظنه كان سعيدًا وفخورًا جدًا بورقة د. باعشن لأنه رأى فيها أفكاره مقروءة ، وأن له تلامذة / تلميذات نابهين ونابهات، هذا كل شيء حسب ظني!

ومن ناحية أخرى - كما تضيف - للدكتور الغذامي مواقف كثيرة لدعم المرأة السعودية، أكثرها جِدّةً موقفه من رواية "بنات الرياض" المغضوب عليها، فكما نعلم نشر الدكتور الغذامي سلسلة من المقالات لتقديم روائية شابة للقارئ السعودي، لا أظن أن الغذامي يخشى أن تشاركه امرأة بدليل إشادته بالورقة التي قدمتها باعشن، وإلا لكان غيّر ورقته دون أن يشرح ! لكن - وهذا أكثر ما يميز الدكتور الغذامي - أنه يحترم القارئ، لذا لم يتكاسل عن ترك الورقة المكررة ليتجنب شرح ما تم شرحه أو طرح ما تم طرحه، بل تكبد الكتابة من جديد، وهذا أمر يحمد له ويحسب له وليس عليه!
وتضيف مي: ومن منطلق أن المثقف يحتفي بالمرأة المثقفة في محاولة لسبق الأحداث، فمن الأفضل له أن يدعم المرأة ويلمّعها حتى إذا توهجت (وستتوهج إن شاء الله)، لا تنكر فضله وتعرف أنها لولا دعمه لما صارت مضيئة! ومن ناحية ، هناك إقبال جماهيري ذكوري لقراءة أدب المرأة، أو الأدب الذي يتناولها وكأنها مخلوق غريب يحتاج الجمهور إلى فهمه.. لذلك يعد الاحتفاء بمنجز المرأة السعودية سياسة إعلامية لترويج المادة الثقافية الراكدة !


الكاتبة والناقدة خلود سفر الحارثي ترى أن ردة فعل الغذامي لا تعكس أي تعالِ خاصة أنه صاحب (المرأة واللغة)، إذ لم يندهش لأنها امرأة، بل لأن ورقة الدكتورة لمياء حملت ما يُدهش فعلاً، وإذا عُدّت الأوراق المميزة في ملتقى النص لهذا العام فستكون ورقة الدكتورة لمياء في المقدمة؛ لأنها أتت بجديد موثق بأدلته بشكل دقيق، ولم توافق الاتجاه السائد في القول بموقف شحاتة من المرأة، بل استنتجت من محاضرته ما يثبت العكس، وأرى أن مسارعة الغذامي لتغيير مسار ورقته كانت بسبب تغييره وجهة نظره فعلاً، واعتراف بخطئه بشجاعة فيما كان يظنه في وجهة نظر شحاتة حيال المرأة.

ومن ناحية تجد أن أسطورة الاحتفاء بالمثقفة السعودية خيال غير موجود فعلياً، حيث تقول: أين هذا الاحتفاء وأين المبالغة فيه؟ إن كان المقصود الغذامي ورأيه في ورقة باعشن فإنني لا أرى فيه احتفاء ولا مبالغة، هو مجرد رأي حقيقي لم يصل إلى المجاملة حتى، وبالنظر إلى سبع وثلاثين ورقة تقريباً مقدمة في الملتقى كان نصيب المرأة منها ثلاث ورقات فقط، فإنها تستحق الاحتفاء، ومازال أمامنا الكثير حتى لا تكون المرأة مفاجأة الدوري.



ومن جانب مغاير، يرى الشاعر والناقد حامد بن عقيل فيما حصل في لقاء النص السادس صورة أخرى يقول عنها: تبدأ الحكاية من الأستاذ محمد لطفي اليوسفي في ( فتنة المتخيل) ص 285 حين يشير إلى استسلام الغذامي لتصور ذكوري بحت فيما يطرح من رؤى، حيث قال اليوسفي:"في تأنيث القصيدة - مقال الغذامي في مجلة فصول- لا يتفطن الغذامي في غمرة دفاعه عن أطروحته إلى أنه استسلم إلى تصور ذكوري خالص عندما كتب: (من الواضح أن قصيدة التفعيلة قد ولدت في حضن ماما نازك!)، فيما ينبني عليه الكلام من استلطاف لا يخلو من السخرية ، وهو استلطاف يكشف من قبيل الإيماء أن منتج الخطاب لا يزدري الأنوثة لكنه لا يتورع عن معاتبتها والتندر بها؛ لذلك لا تكف نازك الملائكة عن كونها شاعرة وتصبح (ماما) في حضنها بنيتها/ قصيدة التفعيلة"!.

ويضيف: بالنسبة لي أرى أن ورقة لمياء باعشن لا تدل على كون المرأة "مفاجأة الدوري" حين أضعها أمام مأزق عبارة ناقد بدأ يطمئن لكل ما يقول في ظل غياب المراجعة الفاحصة لما يقول، وقد تجاوز كتّابنا للغذامي الكثير من الرؤى المتضاربة وليّ أعناق النصوص، كما فعل مع نصوص حسين سرحان ومحمد جبر وغازي القصيبي؛ كي يضع تصوره الخاص فيما يتعلق بالمرأة بين ثلاثة اتجاهات شعرية متكئاً على أدلة منتخبة بعناية ناقد لا يهمه أن يراجعه أحد، بل لا يبدو أنه يتصور وجود من يراجعه أصلا.
ثم كانت حكاية "النقد الثقافي" التي لم تكن بدعة في النقد العربي، فقد أنجز المغاربة في هذا الجانب منذ عقدين من الزمان ما يجعل كتاب الغذامي محاولة مشرقية للحاق بالركب المتقدّم، إلا أن استقبالنا للكتاب فاق توقعات الكاتب، فساهم هذا إلى حدّ كبير في تنصل الغذامي من "الأدبي" لصالح "الثقافي" فهو المنشق عن عباءة الأدب كما وقّع رسالته الشهيرة إلى رئيس اللجنة التأسيسية للجمعية العربية السعودية للأدب العربي، ورغم هذا لم يجد غضاضة في المشاركة في ملتقى أدبي عن حمزة شحاتة، كما أنه القائل مع بدء انطلاقة الملتقى: "قلت للإعلاميين إنني لن أرشح أحدا، فهذه خيانة ويجب أن نصر على العودة إلى الانتخابات، ولن أدخل أي نادٍ أدبي يكون مجلس إدارته معيناً"، متناسيا أنه كان يقف على منصة النادي الأدبي بجدة!.

إن مفاجأة الدوري الحقيقية التي مازالت تذهلنا بركوبها كل جديد والتطرف في تسويقه هي الغذامي وليس سواه ، ولعل في السنوات القادمة ما يعد بأن هذه المفاجأة الطارئة ستأخذ مكانها الطبيعي في أندية الدرجة الأولى، حيث سنكتشف أن "حكاية الحداثة" لم تنته بعد حتى يؤرخ لها ناقد لم يعد يرى سوى ظله ماثلا في كل جهة.


حوار// عبدالواحد الأنصاري بعد روايته الأولى "أسبوع الموت"0



الأحد 04 - 03 - 1427هـ
الموافق 03 - 04 - 2006م
حاورته - منال العويبيل





يذكر عبد الرحمن منيف في كتابه ( لوعة الغياب ) أنَّ الموت ذاته نهاية منطقية لحياة أي كائن، لكن ميزة الإنسان، قياساً للكائنات الأخرى، أن له ذاكرة، وأن لا جديد دون قديم، وهذا ما يعطي الحياة الإنسانية القدرة على الاستمرار والغنى، اعتماداً على التراكم والتجارب التي مرت، شرط أن تكون هذه التجارب مدوّنة لكي يتاح للآخرين الاطلاع عليها.
وفي رواية عبدالواحد الأنصاري يكرس للموت حدثه، في أسبوع كان الأخير من حياة الراحل عبد الرحمن بن سعود، في خط أفقي من الضوء - كما يصفه - للجانب الإنساني للراحل، ليُهزَمَ رحيله بما حضر من شخصه.
تساؤلات نطرحها حول مُنجَزه الروائي الأول ، وحيثيات عدّة.. كعمل إبداعي مستقل، أم توثيق في قالب سردي، وغيرها المزيد.


اليوم الثقافي: يعدُّ البعض تفسير النص خيانة للمنجَز، إلا أنك في (أسبوع الموت) واجهت فكرة التبرير أكثر من التفسير، فما الذي يقتضيه ذلك؟

- إن كنت تقصدين مقدمة قصة الكتاب، التي جاءت في أوله، فتلك لم تكن تبريرا، بقدر ما كانت حكاية لا أعتقد أنها تقل إثارة عن حكاية الكتاب نفسه، وقد خشيت من الندم إذا لم أنشرها مع الكتاب، فتفاديته بنشرها في ثناياه.. وقد واجهت هذه الفكرة بالاحتفاظ بذاكرتي جيّدا ، ولا أزال أذكر أنني عزمت على كتابة هذا النصّ بدافع فني وإنسانيّ بحت، والغريب أن كثيرا من الكتاب لا يلاحظون أن الشخصيات الاجتماعية المرموقة، بعضها صالح جدا ليكون شخصية روائية تنتظر من يكتبها بفارغ الصبر، ويكفي الدافع الفني وحده لتبرير ذلك.


اليوم الثقافي: اختيار منجز توثيقي ليكون أول إصداراتك الروائية.. هل يحصرك في زاوية ما في ذهن المتلقي؟

- لو كانت روايتي في موضوع تاريخي أو أيديولوجي لوجهتِ لي مثل هذا السؤال، لذلك لا أملك إلا فعل ما أراه مناسبا في لحظة فعله.


اليوم الثقافي: أحد الآراء وجدت في (أسبوع الموت) قالباً يتقاطع مع السرد ولا يرتقي إلى مرتبة الرواية، بغض النظر عن توثيقك المسمى بالرواية على الغلاف، كيف تراها أنت بأقصى ما تستطيعه من تجرد ؟
- ما دمت قد أسميتها رواية فهي رواية بالنسبة لي على الأقل، وعلى ذلك الرأي أن يحدد إن كانت رواية جيدة أم لا.


اليوم الثقافي: عبد الواحد القارئ .. ما الذي يلومه من حيثيات التقطها على عبد الواحد الروائي؟

- لا أميل إلى جلد ذاتي، ولا نقدها على الملأ، لأني أعتبر هذا نوعا من أنواع التغزل في الذات، لكنه تغزل خفي.


اليوم الثقافي: مباركة المُنجز السردي بثناء من لامع الأسماء هل تعد من قبيل استمالة القارئ لمنعطف الاستحسان المبدئي الذي يسبق القراءة؟

- بل قد يكون خطرا على العمل، ويوحي بأن الكاتب يحاول أن يتوصل إلى القارئ بذريعة ليست من جنس العمل نفسه، لكني طلبت هذه التقريظات لأنها بمثابة إقرار واعٍ من داخل العائلة بمحتوى الكتاب.


اليوم الثقافي: تحدثت في موضع مغاير عن مراجعات اشترك فيها بعض أبناء المرحوم عبد الرحمن بن سعود ، بغض النظر عما أثنوا عليه .. هل هناك ما ارتأوا حذفه لسبب أو لآخر؟

- الأمير سعود بن عبد الرحمن والأمير سيف الإسلام ، لم يقترحا علي حذف ولو حرفا واحدا ، وكان ذلك بالنسبة لي دليلا على إيمانهما الإيمان الكامل بحرية الكاتب واستقلاليته ، وكان ذلك كرما حقيقيا لن أنساه لهما ما حييت.


اليوم الثقافي: التقاطع مع الأمير الكاتب سيف الإسلام بن سعود .. هل كانت له حيثيات إبداعية للمنجز السردي من منطلق الاتجاه الكتابي له؟ أم اقتصر على مراجعة التفاصيل التي يوثقها كأخ لعبد الرحمن بن سعود؟

- التقاطع مع الأمير سيف الإسلام لأنه قريب للمتوفى رحمه الله، ولأنه مبدع، فقد كنت حريصا على استشارته في الكتاب، من الوجهتين، وتلك ميزة لو بحثت عنها لدى غيره ما وجدتها فيه.


اليوم الثقافي: هل راودتك فكرة حضور اسم (عبد الرحمن بن سعود) - وإن اهتممت بالجانب الإنساني منه في الرواية - بما يُهدف منه استقطاب شعبي لاقتناء الرواية إلى جانب الطبقة المثقفة؟

- نعم راودني ذلك، وأتمنى لو يتحقق.


اليوم الثقافي: في حال قابلك الوجهان من عملة المتلقي الساخط والمثني ، ما الذي أحنق الأول؟ وأعجب الثاني فيها؟

- بعضهم لم يعجبه العمل؛ لأنه رأى أنني تطاولت فيه على خصوصية الموت من ناحية اعتقادية، وبعضهم كان يراه عمل تزلف أو طلبا للصعود. أما الذين أعجبهم فلأنهم لم يكونوا يتوقعون أن أحدا سيكتب عن شخصية كهذه بهذا التجرد والنظر الأفقي، وبهذا الالتزام . وعامة، هذا ليس قولي في العمل، ولذلك ليس علي منه سوى ذنب نقله إليكم.


اليوم الثقافي: تجربة توقيع الكتاب للقراء حديثة على الصعيد المحلي، كيف لمست تجربتك إبان معرض الرياض الدولي مع المتلقين؟

- لمست أنها تجربة سعيدة، هل تعلمين، عندما يصحو العريس في صباحية زواجه، يتمنى أن لو تزوج وهو لا يزال في رحم أمه، وهذا ما شعرت به في صباحية توقيع أسبوع الموت.


اليوم الثقافي: انتقاء دار المفردات المحلية في وقت يعد فيه النشر الخارجي أجذب للأسماء اللامعة حالياً لأسباب متعددة، ما الذي أغراك فيه؟

- أفضّل النشر المحلي، لأن الإقبال على ما يطبع في الخارج لأنه طبع في الخارج فقط، يعد بالنسبة لي بلاهة يقدم عليها الأذكياء.


اليوم الثقافي: التقاط المبدع الفكرة بمصادفة لم يتوقع تداعياتها تقوده لما لم يظنه بدءًا.. هل تعد عاملاً يؤزم إنجازه التراكمي على المدى البعيد؟ أم تفتح انتظارات من قِبَل القارئ لما قد يتأخر أو لا يجيء من المبدع أصلاً؟

- نعم، الإبداع في مجمله نتيجة لصدمات غير متوقّعة، لأن الأديب هو شخص مثل كل الأشخاص، لا يؤثر فيه الاعتيادي بأكثر مما يؤثر فيه اللافت والغريب، فإذا كنا نعتبر أن اللافت والغريب والمؤثر بمثابة المصادفة، فهو حقا كذلك: يحتاج الكاتب إلى صدمة مصادفة ليجد موضوعه الخلاق.


اليوم الثقافي: هل تقاطع عبد الواحد الأنصاري مع خيوط مشهد قادمة؟ ما الملامح التي تشكلت منه إلى الآن؟

- لدي كتاب سيرى بعنوان (المزج) أرشيف مبكّر، أنفض فيه عن كتفيّ غبار السنين الثلاثين التي سوف أبلغها عما قريب. ورواية بعنوان (يهيم مقطوع الرأس) ومجموعتان قصصيتان. والله أعلم بما يأتي به الغيب.