وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الاثنين، ربيع الأول ٢٦، ١٤٢٧

تحقيق// الطبق الخيري وحده يكسب

اليوم الثقافي
الاثنين 26 - 03 - 1427هـ
الموافق 24 - 04 - 2006


الطبق الخيري وحده يكسب
الأسابيع المفتوحة في الجامعات ظاهرة سنوية تخلو من الإبداع والثقافة

الرياض - منال العويبيل



كظاهرة سنوية دأبت الجامعات وكليات البنات على تخصيص أسابيع من العام لأيام مفتوحة ترفيهية بغرض كسر الروتين الدراسي بأنشطة تقتضي التنويع والمتعة الهادفة، وهو ما لم تخالفه أي من مسئولات النشاط، إلا أنه تحول في السنوات الأخيرة إلى أغراض لم تعد من قبيل ما خفي في نفس يعقوب، بل بات من العادي التصريح بأهداف ربحية بحتة كرّستء أياماً مفتوحة كأوسع نشاط طلابي غذائي تتبارى فيه الطالبات على التعاقد مع أكثر المطاعم شعبية بغرض تحقيق أعلى نسبة من الربح تحت شعار: الطبق الخيري وحده يكسب.

وحقيقةً، يظل نعته بالخيري كما درجت العادة مدلساً لواقع أن الربح لا يصب في جيب جهات خيرية (إلا إذا كانت إدارات الأقسام في حالة إعسار لدرجة وصف العائدات لها بالخيرية)، هي حقيقة يؤكدها عديد من المسئولات حول التحفيز الحاصل لتحقيق بيع أكبر يسخر مدخوله للإنفاق على مرفقات القسم ومتطلباته، في ظل محدودية الميزانية المخصصة من العمادة كما يتردد.
وعلى افتراض نبل الهدف بالمصلحة العامة يتفاقم الواقع لمنعطف محزن، فالنشاطات إن جاوزت بيع الوجبات السريعة بضعف السعر! لا تتعدى حضورا خجولا لأركان بيع الكتيبات الدينية وقصص الأطفال، والكماليات، وعروض التجميل .. بتجاوزات لمعقول الأسعار، إلا أنه في نفس الوقت يوجد من ينقدن في ذاك الجو للدفع الأعمى! فإذا كان الهدف تحقيق ترفيه يغاير وقع جدية الأيام الدراسية، لمَ يتم حصر المطروح بما يتعارض مع ما تحاول الجامعة بناءه طوال العام من ارتقاء بالتفكير، وتنمية مهارات مختلفة، وممارسة الهوايات كتنفيس وتحقيق هوية، وما إلى ذلك.
على سبيل المثال تضم جامعة الملك سعود في هيئة تدريسها الشاعرة فوزية أبو خالد، والروائية والقاصة بدرية البشر، والقاصة فوزية البكر، والأديبة الرائدة خيرية السقاف، والإعلامية منى أبو سليمان، والتشكيلية مسعود قربان وغيرهن الكثيرات ممن تغيب أسماؤهن في الأنشطة الإبداعية في الأيام المفتوحة، بحيث لا تتكفل إدارة الأنشطة باغتنام تواجد هذه الأسماء المميزة في ايجاد جو إبداعي بموازاة النشاطات الأخرى، إذ أن تسيد الصغائر لم يحقق إلا الربح والربح فقط .


القاصة هديل الحضيف (طالبة بكالوريوس رياض أطفال) علّقتء بأن عبثية الحاصل في الجامعة إبان الأيام المفتوحة يكرس فقدان الجامعة لأي هوية تمثلها، فالأماكن مكرسة للصخب، والأوقات تبدو كأنما انفلتت من قيدها الكوني، ألوان تخنق الضوء، وتوقد في الأرجاء فوضى لا تهدأ. الجامعة منذ أيام على المثال، فقدت كل ما يمتّ إلى الأكاديمية بصلة، بحجة بليدة تتكرر كل سنة تحت عنوان: (الأسبوع المفتوح)، الذي لا يحتوي من النشاطات غير كيف تُملأ البطون بأكثر الطرق ابتزازاً، وكيف تُضاعف الأسعار بلا حساب! كل شيء كان حاضراً، سوى النشاط الثقافي المغيّب تماما في الجامعة، إلا من بعض المحاضرات وورش العمل المتهافتة، التي تكرسها إدارة النشاط في خدمة اتجاه واحد، بلا مراعاة لأي ميول أخرى . وتضيف إن أي استماتة لفرجة بسيطة من ضوء يختنق اقتراحها بعد لحظة طرحه، وتضرب مثالا بقولها : حضرتُ يوما جلسة في إدارة النشاط لاقتراح موضوع لمسرحية تعرض على منصة إسمنتية لا تتجاوز أبعادها أكثر مما يفي بوقوف طالبتين عليها، (إلا أن الأمر كان جديراً في نظري بالمحاولة)، خرجتُ بوعد قطعته على نفسي ألا أعود أبدا! إضافة إلى أنه قبل إقامة الأسبوع المفتوح، انتشرت على جدران الجامعة إعلانات تطلب من الجميع إثراء الأسبوع بالأفكار المبتكرة . تقدمتُ إلى مشرفة النشاط (الثقافي) في القسم، بطلب لإحياء أصبوحة ثقافية، خلال الأسبوع المفتوح، وجاء الرد بأن الموضوع سيطرح على طاولة النقاش، وكنت أعلم أن معنى ذلك: (الأمر غير وارد على الإطلاق).
في أوقات الفراغ بين المحاضرات، (والحاصل أن الأيام المفتوحة للمشتركات فقط ، أما المتبضعات فمتوجب حضورهن للدراسة) تجولتُ على الأركان، ولم تكن خيبتي كبيرة، لمعرفتي المسبقة بفعالياته . والأركان التي نجت من بيع الطعام، كانت من أجل بيع قمصان تحمل عبارات من نوع : PROUD TO BE SAUDI ، وأساور من ذات الموضوع، وأعلام .. وأي شيء اصطبغ بالأخضر، وكأنما الوطنية تعني ارتداءنا أكبر كمية من هذا اللون على أجسادنا، دون إقامة اعتبار لتنمية وطنية العقل، والإعلاء من قدرات المواطنين ليفخروا حق الفخر بالانتماء إلى الوطن!

وحول ما تمنت كحد أدنى رؤيته تقول: تمنيت أن يُقام معرض فني لأعمال طالبات التربية الفنية، تمنيتُ ندوات جادة، تمنيتُ استضافات لشخصيات مرموقة، تمنيتُ إقامة ما يليق بأول جامعة في بلدي، وشيء يليق بخمسينيتها المرتقبة، لكن يبدو أنها تقصد ألا تترك بصمتها على ذاكرتي، ولا حتى في الفصل الأخير لي بين جدرانها.


بنان العايد (طالبة بكالوريوس لغة انجليزية بكلية التربية) ترى أن أنشطة الكلية الإبداعية لم تتجاوز أوراقاً على جدار القسم (وبالمناسبة أغلبها من الإيميلات المتداولة لا أكثر!) وتضيف: قضيت المرحلة الابتدائية من دراستي مع العائلة في الولايات المتحدة إبان تحضير الوالد لشهادة الدكتوراة، وفي مدرستي هناك كان يُخصص يوم في السنة اسمه invention day ، على كل طالب أن يأتي فيه باختراع يُنفذه بنفسه مهما كان بسيطاً، وتعرض كل الاختراعات في قاعة (ومجازا أقول اختراعات فقد كان أغلبها محاولات بسيطة جداً).. وهناك على إحدى الطاولات عرضت اختراعي (الهائل) الذي لم يتجاوز حذاء دعّمته بأرضية من الإسفنج تساعد على المشي بمرونة والتنظيف في ذات الوقت، (ومازلت أضحك على سذاجة ما فعلته إلا أني مازلت أتساءل عن براءة اختراعي التي لم أسع لأخذها بعد) . إن نشاطاً كالذي ذكرته لا يتطلب أكثر من فكرة بسيطة، وبقدر الجدية التي تبدو في المسمى يتم حقيقةً في جو من المتعة لا تُصدق .
وحول ما يلفت نظرها من أنشطة خُصصت في الأيام المفتوحة في كليّتها تقول: إذا كانت مطاعم من قبيل (بلمبي) و(دومينوز بيتزا) يعدان من الأنشطة (الثقافية).. فكل أيامنا الجامعية حافلة بالأنشطة (تلك) ومن ناحية تجاوب الطالبات، فلا تقلقي الحس (الثقافي) مازال بخير، ويبحث عن ضالة معدته.


ريم عبد العزيز تقول بصراحة إنها غالباً تفضل التغيب عن الجامعة في الأيام المفتوحة إذا كان هناك إعفاء من محاضراتها، كون الحضور بالفعل مضيعة للوقت، والترفيه وهمي نقضيه بين الأكل وزحام فوضوي على بعض الألعاب وغيرها، أذكر إنه لفت نظري مرة مشاركة من قسم علم النفس عبارة عن لوحة من قماش تحت اسم : لوحة التنفيس الانفعالي .. والمطلوب من الجميع أن يكتبن أي جملة يعبرن فيها عن مشاعرهن, كوسيلة تنفيس مرحة، إلا أنه أحزنني بعض الفتيات اللاتي شرعن في إسبال عبارات المدح والقدح في الفنانين باستهتار للفكرة , ومع ذلك كانت فكرة رائعة تستحق الإشادة. ولا أنكر - كما تضيف - أنه لم يسبق لي المشاركة في أي أنشطة ثقافية، ولو باقتراح للأسف الشديد، وأنسب التقصير إلى نفسي بكل خجل، إذ لا أنكر تخوفي من الصدمة التي قد تكون من النتائج المخيبة من قبل الطالبات. وأتمنى فعلياً إقامة مجلس طالبات للجامعة تُخصص له ميزانية محددة للرقي بالأنشطة الثقافية خلال الأيام المفتوحة.


خلود العيدان (طالبة بكالوريوس علم نفس بجامعة الملك سعود) تتمنى على الأقل تحويل نشاطات الأيام المفتوحة إلى ما يمكن وصفه بـ (جامعية) لا (نسائية) كما تصنّف عادة! فتحقيق التنويع حق للجميع، لقد كانت لي تجربة تأليف وإخراج مسرحية (رغم أنف العتمة)، وكان لها نصيب من التفاعل والتفاؤل والتجاهل! وحول إذا ما سبق أن لفت نظرها أي نشاط إبداعي خلاق خلال فترة الأيام المفتوحة، تقول: أحببت كثيراً زاوية صغيرة جلست فيها فتاة ترسم ملامح (بورتوريه) من ترغب بالقلم الرصاص. ولأكون صادقة لم تكن ترسم ذات الملامح بل أخرى.. أجهل إن كان السبب أن المطلوب أن تكون أجمل أم أنه قلم مبتدئ .. ولكن في كلتا الحالتين أحببت الفكرة .


وعلى سبيل إلقاء الضوء على النصف الآخر من الأنشطة الخاصة بالأقسام الرجالية يذكر القاص خالد الصامطي (بكالوريوس لغة عبرية جامعة الملك سعود) إنه لم يسبق أن شاهد أي
نشاط إبداعي في الجامعة بما يستحق الذكر، إلا أنه تقام بعض النشاطات الثقافية والرياضية ولها أماكن في كلّ كلية، أذكرُ أنني شاركتُ في مسابقة ثقافية تم تنظيمها في كليّة اللغات والترجمة، أما إعداد أنشطة، فلم يسبق لي فعل ذلك.

وحول ما إذا سبق أن اقترح أنشطة من منطلق اهتماماته الإبداعية يقول: طلبت مني عمادة شؤون الطلاب قبل أشهر بحثاً عن (كيفية رعاية موهوبي التعليم العالي وكيفيّة الاهتمام بهم والمجالات والمرافق التي يمكن استغلالها وتطوير عملها في سبيل تنمية قدراتهم في الجامعات)، قبل شهر، قيل لي إنه تم ترشيح ورقتي مع ورقتين أخريين من الطلاب، ومن الطالبات أيضاً تم ترشيح ثلاث ورقات، وذلك لعرضها في الملتقى الأول لموهوبي التعليم العالي الذي أقيمَ في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة . كان ملتقى رائعاً وقام على جهود فردية على رأسهم الدكتور ابراهيم علوي ومجموعة من طلاب جامعة الملك عبدالعزيز، وتم افتتاحهُ على يد وزير التعليم العالي مع أمنية بألا تظل الأوراق للاطلاع فقط دون تفعيل! كما حدث أن إدارة الأنشطة الطلابية طلبت من الصديق القاص أحمد البشري إعادة افتتاح النادي الأدبي بجامعة الملك سعود، فرشحني لمساعدته، وقمنا بفتح باب العضوية في النادي وترتيبه وإعادة هيكلته الإدارية، والإعلان عنه في الصحف المحلية والإنترنت، تفاعل معنا الكثيرون والتحق خلال أسبوع أكثر من عشرة أفراد ووصلتنا عشرات من طلبات العضوية عن طريق الإيميل، ومباشرة استضفنا مجموعة من مثقفي البلد في مقرّ النادي، جرى ذلك تزامناً مع معرض الكتاب في حينها، الذي أقيم في بهو الجامعة، وقمنا بتوثيق الحدث وما جرى من نقاشات خلال اللقاء، ونشره على صفحات النت، كل ذلك في سبيل إحياء النادي وإعادة نشاطاته، كنّا شعلة من نشاط، ثم خفتت الشعلة، وتفرقنا بسبب البيروقراطية التي تظل تقفز في وجوهنا، لا أريدُ الخوض في تفاصيل ما حدث، ولكن الإدارة المسؤولة عنّا تعمل بآلية تتعارض مع ما نطمحُ إليه، فقد حدثت عدة أمور ولقاءات مع مسؤولين في الجامعة، وانتهت بإعطائنا خطة لا تتوافق مع حماسنا الذي كنا قد أبديناه، كانت مجموعة من المسابقات في الخطابة والترتيل وما شابه ذلك من أمور لا يتعلق معظمها مع نشاط أي ناد أدبي، وحتى وإن تعلقت به، فهي لا تمت لرؤيتنا بأي صلة، وافترق الجمع بكلّ هدوء.