وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الاثنين، ربيع الأول ٠٥، ١٤٢٧

تحقيق// المثقفة السعودية مفاجأة الدوري


اليوم الثقافي

الاثنين 05 - 03 - 1427هـ

الموافق 03 - 04 - 2006م


المثقفة السعودية (مفاجأة الدوري)00
ذهول الغذامي يدل على تناقصات مثقفينا

جانب من إحدى جلسات ملتقى النص


الرياض - منال العويبيل

دار كثير من الحديث في سنوات خلت حول النظرة المتعالية لدى البعض لما يعرف بالمراكز الثقافية العربية تجاه المبدع والمثقف في منطقة الخليج بشكل عام والمملكة بشكل خاص. تجسدت تلك النظرة والموقف الملوث بالتعالي في عبارات الاستغراب أو الإشادة المبالغ فيها التي كانت تندلق من أفواه أولئك البعض عند مشاركة شاعر أو قاص سعودي في احد المحافل الأدبية التي تنظمها تلك المراكز.

كانت تلك النظرة المعبرة عن وجود صورة نمطية سلبية في ذهن المثقف العربي للإنسان في منطقة الخليج، باعث استياء وامتعاض لدى المثقفين عبر عنه أحد المثقفين بقوله: لقد سئمنا من تعامل الإخوة المثقفين العرب معنا وكأننا مفاجأة الدوري.

يمكن القول الآن إن المثقف السعودي لم يعد "مفاجأة الدوري". ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن بشكل مفارق ومتجه للداخل ، فقد أصبح بعض المثقفين السعوديين ممن يوصفون بالتقدميين يتبنى ذلك الموقف المتعالي، ليس تجاه المثقف العربي كنوع من الثأر أو الانتقام ، ولكن تجاه المثقفة والمبدعة السعودية كما يتجلى في الاحتفاء المبالغ فيه بالمنجز الإبداعي أو البحثي والفكري النسوي.

وفي حادثة في ملتقى النص السادس بجدة ، قد يرى البعض أن النظرة المتعالية تجاه المرأة قد أطلت فيما قاله الدكتور الغذامي عن ورقة الدكتورة لمياء باعشن: "أذهلتني ورقة د. لمياء باعشن فغيرت مسار ورقتي".

وبعيداً عن تحميل النوايا بما قد يُحسب على طرف ما دون آخر ، نحاول تلمس المشهد بأبعاده ، مما قد تراه المثقفات في هذا النمط من التعاطي، والمثقف الرجل وحقيقة فوقيته أو مباركته.

ومن باب أن (أهل مكة أدرى بشعابها).. تقاطعاً مع فكرة ما حصل للدكتورة لمياء باعشن في ملتقى النص السادس في جدة ، توضح ما لمسته بقولها: د. الغذامي فوجئ بقراءتي حد وصفها بالمذهلة، وهي المفردة التي كررها أكثر من مرة خلال الملتقى، وأثق بأن الأمر لا يتجاوز تلمسه طرحاً مميزاً، إلى جانب أنه قد يؤثر على ما أعده في ورقته الخاصة، وشعرت بالفعل بأن اصطفاءه تقديم ورقتي لا يحمل حساً يعدو اعترافاً منه بجودة الطرح.
وتجد د. لمياء أن الحاصل في المشهد المحلي اليوم نجد فيه كِلا الطرفين نساء ورجالاً مفاجأتين للدوري (إن أمكن الوصف)، وهو أمر لا يُستغرب ونحن الخارجين من ثقافة مازالت منغلقة وذات مستوى تعليمي بسيط، إلى جانب نمطية في التفكير تجلد الخارج منها بما لم يألفه المجتمع، فأي خروج لامرأة أو رجل بنسق إبداعي لا يعيه المجتمع، ويصل لمرحلة من التفوق بما قد يُزعزع أركان هذه النمطية.. من الطبيعي مقابلته بالاستغراب حد أن نستكثر خروجه أو نستهجنه حتى.

ولنأخذ الدكتور الغذامي كمثالٍ أحدث ثورة في التفكير على صعيد الإبداع المحلي والعربي، فاستنكار بروزه لا يمكن ركنه لعلّة خروجه من مجتمع متأخر عن غيره في التاريخ الإبداعي أو الثقافي فقط بل لابد من الإقرار بالإعجاب الحقيقي.

وعطفاً على المرأة المثقفة التي أجد شخصياً أنها لم تصل لمرحلة كبيرة من الاحتفاء بما يجلب استغرابه، إلا أن مجرد خروجها من مجتمع مارس لفترة طويلة الحجر على فكرها وعطائها كضغوط استمرت مدة طويلة من الزمن، إلى جانب النظرة النمطية من أن المرأة ذات مستوى ساذج أو بسيط من التفكير.. يجيء خروجها بإبداع يقلب حسابات النمط القاصر صادماً من قِبَل الوسط المحلي والخارجي أيضاً.

ومن ناحية - كما تضيف د. لمياء - لا ننكر أن المجال مفتوح على أوسعه لإبداع المرأة، خاصة في ظل محدودية المنافسة بين النساء لقلة من برز منهن، فمازال المجال رحباً. ولا ننكر حقيقة أننا قد نجد المرأة تمارس الضدية تجاه نظيرتها أكثر مما قد يفعل الرجل تجاهها،حتى لنجد أحياناً أن التعامل مع الوسط الثقافي الرجالي أكثر أريحية. إلى جانب أن الرجل قد يجد في إبداع المرأة ما يستحق الاستبشار به. ومن منطلق أن عالم النقد مازال حديث العهد، لا نستطيع إغفال الاحتفائية التي تُدبّج بها روايات ودواوين الشعر للشباب والشابات على حد سواء بأسماء كبيرة تحتفي بالمنجز. إن ما يؤزم الوسط الإبداعي أكثر من غيره لمز المبدع الشاب بالتشكيك به، وهو ما حصل مع (رجاء الصانع) ، و(ليلى الجهني) خاصة بعد تأخر إصدار جديد لها ، و(محمد حسن علوان) بعد "سقف الكفاية" لمجرد أن ما تلاها لم يأخذ ذات الضجة التي سبقتها.


الشاعرة والناقدة أسماء الزهراني تجد أن موقف الغذامي لا يرتكن لشخصه بقدر ما يستحضر التراكمات من اللاوعي الجمعي، تقول: إن دل ذهول الدكتور الغذامي من ورقة د. لمياء باعشن فهو يدل على أحد تناقضات مثقفينا، لاسيما الدكتور الغذامي صاحب (المرأة واللغة) ، و(ثقافة الوهم) لكن السؤال هنا: علام يدل ذلك التعاطف والمبالغة في التعامل مع إنجازات المثقفة السعودية من قِبَل المثقف؟ إنه في أحسن أحواله يأتي عفويا من تحت طبقات متراكمة من اللاوعي الجمعي، الذي يعد المرأة مرتبة دنيا من الخَلءقِ الإنساني. وهي نظرة لا تخص المجتمع العربي وحده ، لكن هذه النظرة أثبت الواقع ومازال يثبت خطأها ، فهل سيظل المثقف السعودي خاضعا للاوعيه للأبد؟ أم سيفيق على كون جارته تشاركه المضمار بجدارة، ومن موقع لا يسمح له بتقييمها وفق نظرة متعالية مهما كان دافعها جميلا وإنسانيا.
وإن رجحنا بأن تغيير مسار ورقته لكيلا تشاركه امرأة في الوقوف على قمة أخرى أراد أن يصنعها لنفسه بورقته التي جاء ليشارك بها في الملتقى، فهنا تفسير آخر لذهول أستاذنا الغذامي، وهو تفسير محتمل بقوة بالنظر إلى تحليلاته هو لمواقف كثير من المثقفين في سرده لحكاية الحداثة، إنه يعول كثيرا على مركزيته في الثقافة السعودية، وبينما مكانة أستاذنا في ثقافتنا المحلية بل والعربية لا يمكن إنكارها، ولا التقليل من حجمها، إلا أنها لا تعني أن تتحول إلى ولع بالظهور وتعالٍ على مشاركة الآخرين إنجازات يفترض أن نسعد بمشاركتها تحت مظلة الانتماء للحقيقة التي هي وطن المثقف وجنته.


القاصة والصحفية مي خالد تتناول التساؤلات بقصة طريفة حدثت معها في خضم عملها الصحفي، تقول: قبل فترة بعث لي محرر الصفحة الثقافية في الاقتصادية يخبرني أنه تلقى أسئلة حول شخصي إن كنتُ رجلاً يكتب تحت اسم مستعار؟! فهمت من سؤال كهذا أن مقالاتي جيدة! كما أخبرني شاعر مرموق أنه يفكر جديًا في الكتابة باسم أنثوي!.

ومن منطلق أهمية تأريخ هذه المرحلة الحساسة من عمر ثقافتنا وأنوثتنا في آن ، حيث بدأت المرأة تكتب تاريخ المرأة كما سبق أن كتب الرجل تاريخ الرجل، يعنيني مثل هذا الطرح بالفعل حول المثقفات السعوديات!.

إن المجتمع يتعامل مع المرأة بوصفها قاصرًا، طفلاً يتعلم الأبجدية، فحين تقدم قاصرٌ ورقةً تقول فيها: (الأنوثة عماد الخلق الفاضل) فإن الجميع سيندهش لبراعة هذه المرأة وكلٌ سيصفق على طريقته!وحول ما إذا استبعد الغذامي أن يتقاطع أحد أيًّا كان "امرأةً أو رجلا" مع ما حبّره في ورقته عن حمزة شحاتة تقول مي: حتى أنا أستبعد، كيف وهو صاحب (الخطيئة والتكفير) ، جيلي لم يكن ليعرف حمزة شحاتة لولا كتاب الخطيئة والتكفير، بالرغم من أني لم أقرأ ورقة د. لمياء باعشن، أو ورقة الغذامي إلا أنني أستبعد أن تتقاطع الورقتان! ولا يبرر التقاطع إلا أن الورقتين قدمتا في نفس الموضوع، فورقة د. لمياء باعشن كما تقدم كان عنوانها (الأنوثة عماد الخلق الفاضل)، أما ورقة الغذامي فعنوانها (الرجولة والخلق: الفاضلة القاتلة).

كما أن الغذامي من أبرز الأسماء التي قدمت للنقد النسوي في المملكة، وأظنه كان سعيدًا وفخورًا جدًا بورقة د. باعشن لأنه رأى فيها أفكاره مقروءة ، وأن له تلامذة / تلميذات نابهين ونابهات، هذا كل شيء حسب ظني!

ومن ناحية أخرى - كما تضيف - للدكتور الغذامي مواقف كثيرة لدعم المرأة السعودية، أكثرها جِدّةً موقفه من رواية "بنات الرياض" المغضوب عليها، فكما نعلم نشر الدكتور الغذامي سلسلة من المقالات لتقديم روائية شابة للقارئ السعودي، لا أظن أن الغذامي يخشى أن تشاركه امرأة بدليل إشادته بالورقة التي قدمتها باعشن، وإلا لكان غيّر ورقته دون أن يشرح ! لكن - وهذا أكثر ما يميز الدكتور الغذامي - أنه يحترم القارئ، لذا لم يتكاسل عن ترك الورقة المكررة ليتجنب شرح ما تم شرحه أو طرح ما تم طرحه، بل تكبد الكتابة من جديد، وهذا أمر يحمد له ويحسب له وليس عليه!
وتضيف مي: ومن منطلق أن المثقف يحتفي بالمرأة المثقفة في محاولة لسبق الأحداث، فمن الأفضل له أن يدعم المرأة ويلمّعها حتى إذا توهجت (وستتوهج إن شاء الله)، لا تنكر فضله وتعرف أنها لولا دعمه لما صارت مضيئة! ومن ناحية ، هناك إقبال جماهيري ذكوري لقراءة أدب المرأة، أو الأدب الذي يتناولها وكأنها مخلوق غريب يحتاج الجمهور إلى فهمه.. لذلك يعد الاحتفاء بمنجز المرأة السعودية سياسة إعلامية لترويج المادة الثقافية الراكدة !


الكاتبة والناقدة خلود سفر الحارثي ترى أن ردة فعل الغذامي لا تعكس أي تعالِ خاصة أنه صاحب (المرأة واللغة)، إذ لم يندهش لأنها امرأة، بل لأن ورقة الدكتورة لمياء حملت ما يُدهش فعلاً، وإذا عُدّت الأوراق المميزة في ملتقى النص لهذا العام فستكون ورقة الدكتورة لمياء في المقدمة؛ لأنها أتت بجديد موثق بأدلته بشكل دقيق، ولم توافق الاتجاه السائد في القول بموقف شحاتة من المرأة، بل استنتجت من محاضرته ما يثبت العكس، وأرى أن مسارعة الغذامي لتغيير مسار ورقته كانت بسبب تغييره وجهة نظره فعلاً، واعتراف بخطئه بشجاعة فيما كان يظنه في وجهة نظر شحاتة حيال المرأة.

ومن ناحية تجد أن أسطورة الاحتفاء بالمثقفة السعودية خيال غير موجود فعلياً، حيث تقول: أين هذا الاحتفاء وأين المبالغة فيه؟ إن كان المقصود الغذامي ورأيه في ورقة باعشن فإنني لا أرى فيه احتفاء ولا مبالغة، هو مجرد رأي حقيقي لم يصل إلى المجاملة حتى، وبالنظر إلى سبع وثلاثين ورقة تقريباً مقدمة في الملتقى كان نصيب المرأة منها ثلاث ورقات فقط، فإنها تستحق الاحتفاء، ومازال أمامنا الكثير حتى لا تكون المرأة مفاجأة الدوري.



ومن جانب مغاير، يرى الشاعر والناقد حامد بن عقيل فيما حصل في لقاء النص السادس صورة أخرى يقول عنها: تبدأ الحكاية من الأستاذ محمد لطفي اليوسفي في ( فتنة المتخيل) ص 285 حين يشير إلى استسلام الغذامي لتصور ذكوري بحت فيما يطرح من رؤى، حيث قال اليوسفي:"في تأنيث القصيدة - مقال الغذامي في مجلة فصول- لا يتفطن الغذامي في غمرة دفاعه عن أطروحته إلى أنه استسلم إلى تصور ذكوري خالص عندما كتب: (من الواضح أن قصيدة التفعيلة قد ولدت في حضن ماما نازك!)، فيما ينبني عليه الكلام من استلطاف لا يخلو من السخرية ، وهو استلطاف يكشف من قبيل الإيماء أن منتج الخطاب لا يزدري الأنوثة لكنه لا يتورع عن معاتبتها والتندر بها؛ لذلك لا تكف نازك الملائكة عن كونها شاعرة وتصبح (ماما) في حضنها بنيتها/ قصيدة التفعيلة"!.

ويضيف: بالنسبة لي أرى أن ورقة لمياء باعشن لا تدل على كون المرأة "مفاجأة الدوري" حين أضعها أمام مأزق عبارة ناقد بدأ يطمئن لكل ما يقول في ظل غياب المراجعة الفاحصة لما يقول، وقد تجاوز كتّابنا للغذامي الكثير من الرؤى المتضاربة وليّ أعناق النصوص، كما فعل مع نصوص حسين سرحان ومحمد جبر وغازي القصيبي؛ كي يضع تصوره الخاص فيما يتعلق بالمرأة بين ثلاثة اتجاهات شعرية متكئاً على أدلة منتخبة بعناية ناقد لا يهمه أن يراجعه أحد، بل لا يبدو أنه يتصور وجود من يراجعه أصلا.
ثم كانت حكاية "النقد الثقافي" التي لم تكن بدعة في النقد العربي، فقد أنجز المغاربة في هذا الجانب منذ عقدين من الزمان ما يجعل كتاب الغذامي محاولة مشرقية للحاق بالركب المتقدّم، إلا أن استقبالنا للكتاب فاق توقعات الكاتب، فساهم هذا إلى حدّ كبير في تنصل الغذامي من "الأدبي" لصالح "الثقافي" فهو المنشق عن عباءة الأدب كما وقّع رسالته الشهيرة إلى رئيس اللجنة التأسيسية للجمعية العربية السعودية للأدب العربي، ورغم هذا لم يجد غضاضة في المشاركة في ملتقى أدبي عن حمزة شحاتة، كما أنه القائل مع بدء انطلاقة الملتقى: "قلت للإعلاميين إنني لن أرشح أحدا، فهذه خيانة ويجب أن نصر على العودة إلى الانتخابات، ولن أدخل أي نادٍ أدبي يكون مجلس إدارته معيناً"، متناسيا أنه كان يقف على منصة النادي الأدبي بجدة!.

إن مفاجأة الدوري الحقيقية التي مازالت تذهلنا بركوبها كل جديد والتطرف في تسويقه هي الغذامي وليس سواه ، ولعل في السنوات القادمة ما يعد بأن هذه المفاجأة الطارئة ستأخذ مكانها الطبيعي في أندية الدرجة الأولى، حيث سنكتشف أن "حكاية الحداثة" لم تنته بعد حتى يؤرخ لها ناقد لم يعد يرى سوى ظله ماثلا في كل جهة.