وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

السبت، ربيع الآخر ٠٤، ١٤٢٨

تحقيق// المؤلف والمخرج المسرحي .. التباس العلاقة وضبابية حدود الحرية

السبت 1428-04-04هـ
2007-04-21م

العتيبي : ما يقال من تفاهم بين المؤلف والمُخرج والمتلقي محض هراء
المؤلف والمخرج المسرحي .. التباس العلاقة وضبابية حدود الحرية



- أثير السادة -

- رجاء العتيبي -

- نايف خلف -

استطلاع - منال العويبيل
تحت تأثير الفكرة السائدة عن استقلالية النص عن المؤلف الذي أعلن «رولان بارت» موته، ما جعل القارئ ينعم بحرية قد يسيء استخدامها، وبدعوى التجريب والبحث.. أصبح المخرج المسرحيّ يبيح لنفسه التصرف بالنص الدرامي كيفما يشاء، حذفاً، واختزالاً، أو تحريفاً وتشويهاً، وشرعنة ذلك على أساس أنَّ لكل مخرج طريقته، ورؤيته، وتأويله الخاص للنص .
حول علاقة المخرج بالنص، ومدى فضفاضية الحريّة في تقديم العمل معروضاً، أو تأطير الحدود .. توجّهنا ببعض التساؤلات لعددٍ من مبدعيّ الوسط المسرحيّ المحليّ..
يبادرنا المُخرج «رجاء العتيبي» حول إيمانه بالحرية المطلقة للمخرج المسرحي في التصرف بالنص الدرامي، بقوله : ليس ثمة ما يجعلنا نأخذ الأمور بهذا الشكل, ولا نظن أنّ أحداً يتصرف على مزاجه بدعاوى الرؤية والإبداع, ولكننا في هذا الموقف أمام مُخرج خلاق, ومُخرج هزيل.. عندما يأخذ المُخرج الخلاق النص، وينظر إليه، ويقرأه أكثر من مرة, سيعرف كيف يتعامل معه بحيث يكتب نصاً بصرياً مبدعاً بجوار النص المكتوب, ويعطي النص روحاً أخرى تنبض بالحياة, أما المُخرج الهزيل فسيظل هزيلاً, ولا يمكن أن يرتقي بالنص، ولا يمكن أن يعطينا رؤية خلاقة .
ويضيف : من الضروري أن نتخلَّص من التعميم عندما نطلق كلمة (المُخرج), ونحددها بشكل أدق : (مُخرج خلاق، أو مُخرج هزيل)، وهنا تنتفي مثل هذه الأسئلة, ولا يصبح لوجودها أهمية، ولا تمثّل لنا قضية؛ لأننا حينها نعرف إنتاج المُخرج الخلاق، ونعرف أدواته وخياله الواسع, مثلما نعرف أيضا إنتاج المُخرج الهزيل الذي أنهك النصوص المسرحية, وخلط الأوراق بعضها ببعض, مما شكّل لدينا قضية لا يمكن أن تكبر كالثلج لو أننا كسرنا حدة التعميم في كلمة (المُخرج).
وحول ضوابط الحرية التي تحدد دور المُخرج المسرحي في حالة غياب المؤلف بطريقة مباشرة للمفاصلة الإبداعية مع المُخرج يعلّق «رجاء العتيبي» بقوله : مؤلِّف النصّ المسرحي, يمثّل مرحلة وانتهت, وينبغي أن يكون بعيداً, عندما تبدأ مرحلة المُخرج, وعندما تبدأ مرحلة التلقي لا ينبغي أن يكون المُخرج موجوداً, فالمتلقي يريد أن يتلقى العرض المسرحي دون تدخّل من أحد, وكما نرى نحن أمام مراحل فنية لا ينبغي أن تتداخل, وما يقال من تعاون وتفاهم ومساندة بين المؤلف والمُخرج والمتلقي هو محض هراء؛ قبلناه لأننا مجتمع يعلي من القيم, فالتعاون بين الاثنين : المُخرج والمؤلِّف يمثّل لنا قيمة عُليا أعلينا من شأنها, ولكن من الناحية الفنية لا ينبغي أن يكون هناك تعاون, ولا مجال لهذا التعاون أصلاً؛ لأنّ الرؤية الفنية _ أي رؤية فنية _ لا تصدر إلا من شخصٍ واحد, وليس من عدة أشخاص.
كما يردف حول ذلك بقوله : من الضروري أن نتخلَّص من قيمة التعاون مهما علا شأنها عندنا, وذلك عندما نكون في مناطق الفن, بوصف الفن له قيمه الخاصة به, فلا ينبغي أن نخلط الأمور, التعاون قيمة رائعة في مكانها, ولكن عندما ننقلها في غير مكانها لا تأتي بنتيجة.
وكتحديد لإطار حرية المُخرج يقول «العتيبي» : إنّ حرية المُخرج تبدأ عندما ينتهي المؤلف من كتابة نصه, ليفعل ما يراه مناسباً, فإذا كان مُخرجاً خلاقاً, فإن النتائج معه ستكون أكثر من رائعة, أمّا إذا كان هزيلاً فلن نرى سوى خبط عشواء. وحول نوعية العلاقة الرابطة بين المُخرج المسرحيّ ومؤلِّف النص بين الصراع على المؤلَّف، أو التوافق حوله، يقول : من الجميل أن يكون هناك صراع وقلق وتوتر, ليس بين المُخرج والمؤلِّف, ولكن بين المُخرج والنص؛ لأنَّ العلاقة بينهما ( المُخرج/ النص) لن تكون في يومٍ ما حباً وسلاما، وإنما علاقة (مخاض), من الضروري أن نحترمها، ولا نصورها بالشر.
ويختم ذلك بتأكيد لرأيه حين يقول : المؤلِّف انتهى كمرحلة بمجرد أن وضع القلم جانبا, وتبدأ كتابة نص بصري جديد على يد المخرج, تحتاج إلى قلق وتوتر حتى تنفرج الكربة عن عرض خلاق؛ لهذا ليس بمقدورنا حسم الموقف, فنحن لسنا أمام قضية جنائية, ولسنا أمام رواية عربية بتمامها يتزوج الأبطال, ولكننا أمام عملية مخاض إبداعية ليكن فيها ما يشاء, المهم أن يُنتج المخرج عملاً خلاقاً بعيداً عن تطفّل المؤلف, لأنّه ليس ثمة شيء خارج النص كما يقول «رولان بارت».
المُخرج والكاتب المسرحي «عبد العزيز السماعيل» يرى أن احترام الضوابط الأخلاقية الحاكمة لحريّة المُخرج في التعامل مع النص المسرحيّ تختلف باختلاف نوعية المُخرج، فيقول : إنّ الأمر مرهون باختلاف المخرجين، فهناك مُخرجون يملكون من الجرأة بما يصل للتطاول أحياناً على النصوص، وهناك نوع يكون أقل جرأة، إلا أني أنحاز بعيداً عن ذلك للمُخرج الذي يحترم نصّ المؤلِّف، وإن أضاف له.
ويُردف «السماعيل» حول ذات الفكرة : إنّ التعاون الخلاق بين المخرج والمؤلِّف هو ما يُعوَّل عليه في إظهار رؤية تشمل الفِكْرَين : (التأليف والإخراج)، وبطريقة متناغمة ومتكاملة. إذ يجب على المُخرج عدم تناسي حقوق المؤلِّف في النصّ، أو العبث بالنص كيفما اتفق.
وحول الأطر التي تضبط تعامل المُخرج مع النصّ في حال تعذّر التواصل المباشر مع المؤلِّف يقول «السماعيل» : دعينا نأخذ مثلاً نصّاً كلاسيكياً لشكسبير سبق أن قُدِّم معروضاً حول العالم، وبمختلف الرؤى المسرحيّة، ولفترات مختلفة من الزمن، مع كل ما سبق ذكره يظلّ المُخرج غير ملزم بالضرورة لتقديم النصّ حرفياً بصورته الكلاسيكية كمجرد ناقل. لكن من الممكن له أخذ جزئية معينة منه، أو «ثيمة» محددة يبني عليها رؤيته الإخراجية، ولو بفكرة مختزلة، دون إغفال لأهمية نسب الاقتباس لمبدعه الأصلي كتقدير أدبي بالضرورة. وعلى كلّ، هناك فرق كبير بين التغيير أو تحريف النصّ، وبين تقديمه بأمانة إخراجية.
وحول رؤية «عبد العزيز السماعيل» لشكل العلاقة بين المُخرج المسرحي ومؤلِّف النص الدرامي بين الصراع أو التوافق للرؤية النهائية لتقديم العمل، يقول : أظنّ أنّه حينما يُنفّذ النص كما هو مكتوب تماماً سيجيء دور المُخرج هامشياً، وكوسيطٍ يُقدّم العمل برؤية أُحادية للكاتب فقط، فهناك فرق كبير بين النص مقروءًا، وبينه كنصٍ يُراد تحويله لعملٍ مرئي بما يتطلبه ذلك من رؤية فنية أوسع، وتقديمه للجمهور بطريقة تناسب روح العرض الحيّ، فالمُخرج المسرحي قد يُعتبر بحد ذاته مؤلِّفاً لنص العرض.
ويضيف « السماعيل « في ختام رؤيته : أجد أنّ علاقة المُخرج بالمؤلِّف مفرطة الحساسية في جانبها الأدبي، وتتطلب هذا القدر من الحساسية وأكثر؛ لتخلق ذات القدر من التوافق والتفاهم في تقديم العمل، وقد لا يحدث مطابقة بين الفِكْرَين أبداً، لكن من الممكن خَلْق نقطة تفاهم بما يخدم مصلحة العمل، فحين يحترم المُخرج المؤلِّف بالقدر الكافي ينتفي تماماً الخوف على النص.
أمّا المخرج «نايف خلف» فيرى أنّ المسرح عمل بُني وأسس على مبدأ المشاركة الجماعية. ويضيف : أعتقد أنه الفن الوحيد الذي لا يمكن أن يرى النور بجهود محض فردية، المؤلف يطرح فكرة منطقية، ويقدم مقولة قد نختلف معه أو نتفق، ولكن السؤال ما الذي دفع بالمخرج إلى انتقاء هذا النص من دونه، إن كانت الإجابة لاتفاقه مع الفكرة والمقولة فأعتقد أن حريته تبدأ من هنا، من حقه الاختزال، الحذف، التعديل، ولكن دون مساس بجوهر العمل وفكرته. فالمخرج له هامش، ومن حقه الإبداع في منطقته، وهي ما تمليه الشروط الفنية الركحية كما عند إخواننا التونسيين، والتشكيل الفني والمشهدي للفكرة هو ملعبه الأساسي، ولا يجب الخلط بين مهمته الإبداعية، والمهمات الأخرى حتى على مستوى الممثل ومهمته. أما إذا كانت الإجابة أنه لا يتفق مع الفكرة، فالأفضل أن يبحث عن فكرة يستطيع أن يقدمها من زاوية رؤيته الفنية، ومن العبث في رأيي العبث في تقديم شيء لا يتفق مع فكرة المؤلف. عموما _ كما ينهي « خلف « فكرته _ المخرج المحترف والمبدع لا يحتاج لمن يحدد له أين تنتهي حريته وأين تبدأ. هو يعرفها ويعرف مساحته. وكذلك الكلام بالنسبة للمؤلف المحترف المبدع.
وحول نوعية العلاقة المفترض بناؤها بين المخرج والمؤلف يجيب «خلف» بقوله : المسألة تحتاج نوعا من التفصيل حتى نكون على بينة، إذا كان المؤلف معاصرا فالأمر كما أشرت مبني على التعاون، إذا كان التواصل بينهما ميسرا؛ لأن الغاية ليست صراعا شخصيا، وإنما إبداع مخلوق جميل اسمه الجو المسرحي، وكل عنصر له مساحته الخاصة. إذا كان المؤلف متوفى، فالبقاء لفكرة المؤلف، وهدف المسرحية الأعلى، ولا يحق للمخرج تشويه الفكرة، وحتى إن حاول فلا بد أن يظهر في العرض المسرحي شيء من التناقض خصوصاً إذا كان المؤلف من العيار الواحد والعشرين.
وفي رؤية أخيرة للناقد المسرحيّ «أثير السادة» حول الاقتراب من العرض المسرحي بنيّة قراءته نقدياً، نقتبس منه فكرته الخاصة بدورة النصّ الدرامي إلى أن يتجلّى معروضاً أمام المتلقي، بما يبعثه ذلك من تأمل لعلاقة المؤلّف والمخرج بل وحتى المتلقي مع النصّ المقدَّم، إذ يقول : في المعادلة المسرحية ثمة قراءات عدة يبقى المتلقي فيها آخر حلقة في سلسلة هذه القراءات التي تمارس كل واحدة منها فعل الإزاحة لما قبلها، فما يقدمه المؤلِّف من نصّ هو قراءة للواقع تزيحه لاحقاً رؤية المُخرج باعتبارها قراءة ثانية، ومن ثم تستحيل إلى قراءة أخرى عند الممثل الذي يصدر بأدائه قراءته الخاصة للواقع/ النص/ رؤية المخرج، وهكذا حتى نصل إلى صورة العرض النهائية أو القراءة الكلية، والتي ستجعل من المتلقي مرمماً للمعنى، وصانعاً للدلالة، ومفسراً لخطاب العرض، حيث يمارس معه حرية الاختلاف والتأويل والسؤال حول بُنيته الدرامية، والتكوين الدرامي للشخصيات، والرؤية الإخراجية التي تختزل في داخلها جملة الأنساق المؤسسة للخطاب المسرحي. وبنسقٍ يعوّل فيه على قدرة العرض المسرحي على استنفار أسئلة المتلقي حول صناعته نصاً وإخراجاً، وبالتالي جعله مثارَ تساؤلٍ عميقٍ أكبر يربطه بالحياة، يقول «السادة» : بين العرض والقراءة النقدية علاقة طابعها التحريض والاستفزاز الجمالي والمعرفي، فالعرض يحرّض المتلقي على الانطلاق في فضاء الأسئلة المشاكسة، والبحث في سرية المنجز الإبداعي، والتي تحرّض بدورها التجربة المسرحية إلى مزيد من التقصي والإبداع في المخزون الجمالي والمعرفي لهذا الكون.