وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الأربعاء، جمادى الآخرة ٠٥، ١٤٢٨

حوار// القاصّة والناشطة الثقافية فوزية العيوني

الأربعاء 1428-06-05هـ
2007-06-20م

القاصّة والناشطة الثقافية فوزية العيوني :

يحزنني غياب بعض الأسماء النسائية المهمـومة بالشـأن الثقـافي

مباني الأندية الأدبية مستأجرة وتصميمها لا يناسب المرأة

حوار – منال العويبيل
بينما تعايش المرأة السعودية حالياً مرحلة فاعلة من المشاركة التي تنقلها من واقع التهميش السابق عبر دلالات تشير إلى حراكٍ يضع مشاركتها في مختلف المجالات من ضمن أولوياته. وبينما يتم تدشين هذه المرحلة الجديدة من الاهتمام يأتي الشأن الثقافي كأحد أهم الروافد التي يتحتم العمل على إدماج الحضور النسائي بشكل يليق بدورهن الحالي..
ومن هذا المنطلق نلتقي بالقاصة والناشطة الثقافية «فوزية العيوني» في حديثٍ ذي شجون وطموح لفاعلية حقيقية للمرأة من خلال دورها في اللجنة النسائية لأدبي الشرقية.
 منذ ولوجك عالم الصحافة منتصف السبعينات وحتى الآن .. كيف تبدّلت صورة المرأة السعودية مبدعةً وإعلامية في إعلامنا ؟ وكيف تبدو ثمرات جهودها في الحراك الثقافي ؟
- في السبعينات كان المناخ الاجتماعي يتجه بسلاسة نحو الحداثة الطبيعية التي تلجها المجتمعات عادة بعفوية متدرجة وبريئة، فقد بدأت الجامعات عندنا للتو تزج بنتاجها من الخريجات إلى الساحة الثقافية، فبرزت أسماء نسائية ليست كثيرة ولكنها ذات ثراء فكري لا يقل عمّا تمتع به الرجل في تلك المرحلة، رغم أنه سبقها بالتعليم، والتعليم الأكاديمي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حريته في التنقل عبر البلاد العربية، وحضوره المهرجانات والمؤتمرات الثقافية وأجوائها التحفيزية الثرية، مما وفّر له بلا شك مناخات فكرية وإبداعية حرمت منها المرأة المقعدة.أعتقد أن المرحلة الممتدة من نهاية السبعينات وحتى العام الثاني من الألفية الثانية (منذ حركة الجهيمان، وحتى أحداث 11 سبتمبر) قد شهدت تراجعاً اجتماعياً وثقافياً حاداً أخذ شكل الانحدار المخيف، كما لم يحدث في أي مجتمع من المجتمعات، حيث سيطر التيار المتشدد في منتصف الثمانينات، واستولى على كل المنابر الثقافية والتعليمية أيضاً، وصال وجال مشهراً، فتراجعت على إثره العديد من الأسماء النسائية، إمّا تأثراً بهذا الفكر وتبنٍّ له، أو الخوف من هذا التيار الذي لا يرحم، أو اليأس من حرية التعبير التي تولاها مقص الرقيب الذي صار أكثر حدة... حقاً لقد عشنا عتمة ثقافية وتربوية مخيفة.ورغم ذلك، فإنّ كل تلك المعيقات لم تكن لتثني المرأة ولا الرجل في المجتمع عن التطلع إلى مستقبل أفضل، ولم يتنازل المثقفون عن مبادئهم، ولم يفقدوا الثقة في أن ما يمر به واقعنا محنة لابد لها من زوال. وها قد هبت رياح التغيير الطبيعية، ولظروف عديدة لم تجد أمامها أي أبواب موصدة.
إنّ رواية رجاء الصانع، أو صباح الحرز ، أو طيف الحلاج، أو أوبة وردة الصولي، أو حتى حكاية التائه، و كل هذا العدد من الإعلاميات الناجحات والكاتبات المبدعات، وهذه الأعمال، وأولئك النساء، لا يمكن أن يكونوا نتاجاً طارئاً دون جذور، فهؤلاء هم الجيل الثالث الذي تربّى في بيته على احترام الفرد، وحرية تعبيره، كما راقب بعيون ناقدة ركود ومآسي العقدين الماضيين، فأصبحت الفرصة الآن سانحة أمامهم ليعلنوا عن إبداعاتهم المبشرة.
 في وقت سابق شهدت انتخابات اللجنة النسائية في النادي الأدبي بالشرقية بعض ردود الفعل السلبية عبر بعض المثقفات ووسائل الإعلام ..بعد مرور العام تقريباً .. ما تقييمك لوضع اللجنة الحالي؟ ولماذا أثيرت هذه الضوضاء ؟
- إنّ إنشاء لجنة نسائية في النادي الأدبي أمر في غاية الأهمية بعد سنواتٍ طويلة من الإقصاء والتهميش الذي طال المرأة، وكم طالبت المرأة بهذا الحق عبر عقدين من الزمن، هذا الإنجاز هو إذاً ثمرة مطالبات عريقة وواعية. ومن هنا، فإن أي ضوضاء صدرت كانت محفزاً للجنة لمزيد من التحدي، وأي ضوضاء ستصدر ستستحقها اللجنة إن لم تتمسك بهذا المكتسب، وتعززه ضمن رؤية استراتيجية تضمن للأجيال القادمة منجَزاً صلباً لا يقبل التقهقر.بعد مرور عام، أعتقد أنّا تكونا كمجموعة يؤطرنا هذا الحرص على اللجنة، وهذا الإصرار على الاندفاع باتجاه إرساء كيانها، تلك مسألة في غاية الأهمية أن تتفق مجموعة على أهداف ورؤى واضحة.
لقد انتهينا مثلاً منذ الشهر الأول من وضع خطتين : الأولى مرحلية تضمنت بلورة صورة وضع اللجنة، وعلاقتها بمجلس الإدارة. وعلى إثر ذلك تم وضع خطة أنشطة اللجنة السنوية، وانضمام أعضاء اللجنة لجميع لجان النادي. والثانية استراتيجية نرجو أن توافق عليها الوزارة، ولسنا على عجل من أمرها.
 عزوف بعض مثقفات المنطقة الشرقية عن التفاعل مع ناديها الأدبي هل يتوافق طردياً مع كمّ ونوع جمهور النادي ؟
- مما لاشك فيه أنه من المحزن غياب بعض الأسماء النسائية المهمومة بالشأن الثقافي، والتي كانت هي رافعة لواء المطالبة بحق المرأة في الشراكة الثقافية منذ سنين. إن وجودهن هام وضروري، ولا أجد مبرراً لغيابهن، فالنادي مفتوح للجميع لم يقصِ أحداً، وليس لدى إدارته أي تحيز لشخص دون آخر، والدعوة تُعلَن عبر الصحف المحلية مشرّعة لجميع المثقفات والمثقفين .إن ما يسعدني حقاً في كمِّ ونوع جمهور النادي في الصالتين مسألتان، الأولى : أنّ رواد النادي بازدياد مطرد، رغم قصر عمر التجربة التي _ لا شك _ في أنها تتطلب جهوداً مكثفة لإرساء ثقافة البحث عن المعرفة عبر الحوار مع الآخر، ولتجذير قيمة أن يكون في برنامج الإنسان الأسبوعي محطة ثقافية في يوم معين، ولزمن محدد يكسر به روتين يومه. والثانية : وتخصيصاً في القسم النسائي، وجود العناصر الشابة باستمرار، وبالتزام من طالبات الكليات، والمرحلة الثانوية، ومن أسماء جديدة مهتمة بهذا الشأن كثيراً ما تثري النقاشات، وأعتبر هذا مكسباً هائلاً ما كان له أن يتحقق لولا وجود لجنة نسائية في النادي.
هنالك مسألة مهمة يجب الحديث عنها وهي أنّ الأندية الأدبية تقام في مبان مستأجرة، وتصميمها لا يناسب تواجد المرأة، ولا حضورها الفاعل، ولذا نحن ندير أعمالنا من منازلنا، وفي هذا كثير من الإرهاق لنا.
 بقدر سعة التسليط الإعلامي على تغييرات لجان الأندية الأدبية .. خفتت التغطيات الخاصة بالفعاليات المقامة فيها . . برأيك إلى ماذا تُردّ أسباب ذلك ؟
- اللجان النسائية ظاهرة جديدة، وتغطيتها، ومتابعة عويلها في بادئ الأمر كونها أتت متأخرة، ودون الحلم، كان هذا مما يستحق التغطية، أضيفي إلى ذلك أن الصحافة الناجحة هي تلك التي تدعم وتؤازر أي ظاهرة إيجابية تخدم الحراك الثقافي والاجتماعي. إلا أن بعض الصحفيين والصحفيات قد تغيب عنهم هذه المهمة الراقية، فلا يستهويهم سوى غبار المعارك، ولا يسعني أن أغادر هذا السؤال دون الإشادة بالعديد من الصحفيات الواعيات، واللاتي لا يتغيبن عن الأنشطة إلا لظروف قاهرة.
 في ورقتك التي سبق وقدمتِها في ملتقى الأحساء الثقافي عن دور المرأة في المراكز الثقافية ذكرت « أن التقسيم القسري للأنشطة الثقافية في بلادنا إلى أندية أدبية وجمعيات للثقافة والفنون نتج عنه احتفاء بثقافة محافِظة ضد ثقافة التجديد، وبالتالي عزز إقصاء المرأة عن النشاط الثقافي والاجتماعي » ..تُرى كيف تُرتق هذه الهوة بين الثقافتين، في سبيل تمكين المرأة، ودعم نسق ثقافي متجدد يكسر تقليدية الأطروحات الثقافية محلياً ؟
- نحن مجتمع تجاوز _ دون الاعتراف _ مسألة القبلية والعشائرية .. فالتعليم، وضرورات العصر، بما فيها من تقنيات فرضت نفسها على ثقافتنا، دون أن يكون لنا خيار _ إذ لا خيار _ فصرنا كغيرنا من المجتمعات، تَسِمُنَا مثل غيرنا التعددية الفكرية في مجتمع واحد. المجتمعات عادة هي تركيبات فكرية متنوعة، ونحن متنوعون، لقد صودر واختطف المجتمع لسنوات طويلة، بإصرار من التيار المسيطر والهادف إلى خلق نموذج نمطي واحد، وهذا الرأي لا يمكن أن ينطبق على أي مجتمع في الكرة الأرضية قاطبة، وعليه لا يمكن أن ترتق هذه الهوة إلا بالاعتراف بواقع التعددية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وترسيخ مفهوم حق المواطنة. وعلى النادي الأدبي دور هام في إرساء هذه القيم الهامة ؛ لأن مردود ذلك ليس محصوراً بالمرأة فقط، بل سينعكس على ثقافة اجتماعية شاملة.
 في إحدى مقالاتك ذكرت « أن المرأة السعودية ما زالت قيد المعاناة الإبداعية نتيجة خطوط المجتمع الحمراء العريضة. والرقيب الضخم الذي كونه الإرث الثقافي في لا وعيها.. المرأة، وفيما اختزنه وعي الرجل من رؤية تقليدية لها »..برأيك هل فعالية النساء السعوديات في الحراك الثقافي كمنسقات ومنظمات وما إلى ذلك قادرة على رفع الضغوط عن ممارِسات الإبداع ؟ وكيف يمكن تصحيح مثل هذه الإشكالات ؟
- سؤالك خجول، لكني سأجيب عنه وعما يبطنه : لا أرى رابطاً بين حراك المرأة الثقافي كمنسقة ومنظمة، وبين ممارسة الإبداع بحرية من قبل المرأة، بمعنى ليس شرطاً أن تكون المنسقة مبدعة _ أقصد في أحد حقول الإبداع _ إلا إذا اشترطنا على مديرة المدرسة أو الوكيلة أو نحوهما أن تكونا ممن يمارسن هذا النوع من الإبداع، خذي مثلاً الشاعر والكاتب الكبير محمد العلي، لا أتصور أنه مطالب بالقيام بتنظيم مؤتمر، بل لعله لا يستطيع. وعلى هذا الأساس فالمواصفات التي يجب أن تتمتع بها المنسقة ليس الإبداع أحدها، وإن توافر مع مواصفات أخرى فلا بأس به، إلا أن وجود المرأة كمنسقة أو منظمة في أي منبر ثقافي له الدور في عدم تغييب المرأة المبدعة، وفي تدعيم ظهور صوت المرأة بكافة أشكال إبداعه، وبدون هذا التواجد سنرى نتائج تهميشية كما شاهدنا في العقدين السابقين.
 من باب خبرتك الخاصة بمجالات حقوق الإنسان ..كيف يمكن أن تتولى المنابر الثقافية دوراً داعماً لهذه الثقافة الحقوقية المتفاوتة الحضور محلياً دون الوقوع في مطبّ الوعظ المباشر والتلقين ؟
- في مجال حقوق الإنسان لا يمكن الوقوع في مطب الوعظ والتلقين ، فبالرغم من حداثة ثقافة حقوق الإنسان في مجتمعنا إلا أن الإنسان بفطرته، مدافع عن حقوقه، بل إن كل الأديان السماوية، والتشريعات الاجتماعية قبلها، جاءت للتشريع لهذه الحقوق، بل يجب أن أؤكد أن كل المجتمعات رغم فطريتها البسيطة ما قبل الأديان . من الجميل في الأمر ، وحسب تجربتي البسيطة في هذا المجال أنني أجد أذناً صاغية عندما أحدّث امرأة _مثلاً _ عن حقها الشرعي في الخلع .. أو حق النفقة، أو حقها في المتاع بعد الطلاق مثلاً، فما بالك لو تحدثنا عن حق الكرامة الإنسانية، الإنسان متعطش دائماً لأن يجد مخارج لما يصيبه من انتهاكات، ولذا فإنّ أي منبر ثقافي يتناول حقوق الإنسان هو منبر حيوي، وله جمهور واسع.
قناة الإخبارية المتألقة تقدم فقرة قصيرة بشكل يومي على ما أعتقد تتناول عبرها في كل مرة حقاً من حقوق الإنسان، أو قيمة أخلاقية عالية..هذا دور تنويري هام ، يجعل المواطن يشعر بالأمان ؛ لأنه يعرف إلى من يلتجئ ، كما أن له الدور الرادع لكل أشكال الانتهاكات.
 في ظل توسع المسئوليات وضغوط الحياة اليومية والكثير من المشاريع .. أين نجد القاصّة فيك ؟ وأين وجدت هي ذاتها ؟
- ( كم يوجعني هذا السؤال ) .. القاصة في داخلي قليلاً ما تواجهني، وكثيراً ما تختبئ في داخلي، لا أجدها دائماً، حتى عندما تخرج أقمعها، وأقول لها : لحظات وأرجع لك، لكني أخذلها، وأضيّعها في متاهات أولوياتي، حتى نسيت مجموعتي الأولى في جهاز كمبيوتر سئم انتظاري، فكف عن العمل.إلا أنّ فن القص أقوى من أي كابح، فهو يشاغلني كل يوم، وأعتذر له بابتسامة من لا يحمل ورقة وقلم.