وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الاثنين، رجب ٠٢، ١٤٢٨

تحقيق// الفيلم السعودي لقيط الداخل شرعيّ الخارج!


بحسب تعاطي الوزارة مع صناعته
الفيلم السعودي لقيط الداخل شرعيّ الخارج!



- المخرج عبدالله آل عياف-

منال العويبيل - الرياض

(الصور الجميلة لا تخلقها النظريات!) هي إحدى نظريات الفنان العالمي رينوار، ولأن طرحنا اليوم غير معني بالتنظير، أو التنفيس الذي بات طابعاً يحف العديد من الأطروحات الإعلامية التي تفتح ملف السينما محلياً، نستهل طرحنا للقارئ بنظرية رينوار مضافاً إليها : إياك أعني، واسمعي يا وزارة!.
في الفترة الماضية كان لعدد من الأفلام السعودية نصيب من الحضور ضمن التوليفة الثقافية للأيام السعودية في العاصمة الروسية موسكو، وقبل ذلك في مصر. بما يعبّر للخارج عن اهتمام الوزارة بما يمكن تسميته بـ(صناعة الفيلم) في السعودية، إلا أن ذلك يمثل فعلياً حالة من التناقض الصارخ، في وقت لم نشهد محلياً أي تصريح رسمي عن دعم الوزارة لصناعة الفيلم، ناهيك عن تخصيص جزء صغير من ميزانيتها، ولو لتشجيع الشباب المهتمين بذلك. ونجد ذلك لا يختلف كثيراً عن موقف المؤسسة الرسمية السابق تجاه المسرح، والذي كانت تلتفت إليه موسميًا كلما اقترب موعد مهرجان مسرحي في أحد الأقطار الخليجية أو العربية، ثم تتخلى عنه بعد اعتراف عابر مؤقت به.
بالتالي نستطيع القول : ما أشبه الليلة بالبارحة، وأن الفيلم يحل محل المسرح في اهتمام المؤسسة الرسمية التي تعترف به في الخارج، وتنكره ضمنيًا في الداخل، تاركة إياه لاجتهادات الهواة والشغوفين به وإمكاناتهم الضئيلة، أو للأندية الأدبية وجمعيات الفنون التي حتى لو كان لديها الرغبة في دعم الفيلم عرضًا وصناعة، لا تستطيع القيام بذلك بدون دعم مادي كبير ومعنوي صريح من الوزارة.
حول ذلك يعلّق المخرج السينمائي (عبدالله آل عياف) بأن ما تقوم به الوزارة من ازدواجية في التعامل مع مفردة (السينما) يعود لظن القائمين عليها أن نظرة السعوديين للسينما تختلف عن نظرة بقية دول العالم إليها، فما يراه العالم ضرورة ثقافية قد يراه البعض هنا محظوراً. المسئولون في وزارة الثقافة والإعلام يدركون قبل غيرهم أهمية السينما كرافد رئيسي في الهيكل الثقافي لأي دولة، ولأننا ندرك أن الدول المتقدمة تولي قطاع السينما رعاية ودعماً واضحين، فإنني أتفهم حرص وزارة الثقافة والإعلام على إبراز هذا الجانب ليراه غيرنا، ورغم تواضع جميع ما تم إنتاجه حتى الآن إلا أنها هي الخيار الوحيد لدى الوزارة لعرضه مع بقية الفعاليات الثقافية، فلا أحد يود تقديم صورة ثقافية ناقصة ركناً هاماً أمام الغير. المشكلة لدينا هو أنها فعلاً ناقصة، ولن يكون من الصعب ملاحظة ذلك.
ا(الوزارة تستعرض بالسينمائيين أكثر من الاحتفاء بهم)، هذا ما يراه الكاتب السينمائي (طارق الخواجي) الذي يوضح الفكرة بقوله : يمكن فهم ذلك عن طريق مقارعة الوزارات العربية أو العالمية الأخرى في المهرجانات الثقافية بالمقابل من كل مجال أو مشهد ثقافي، بينما تتجاهلهم فعلياً في الداخل لأن مجال التنافس الخارجي معدوم منطقياً في الداخل.
إلا أنّ (آل عياف) يوضّح أن موقف الوزارة مهما كان اهتمامها في تقديم الحاضر السينمائي المحلي، أو مهما استعرضت كما يرى الخواجي الذي له رأي مفاده : المسئولون يجب أن يدركوا أن هذا (الآخر) يعرف ما الذي تعنيه السينما، ويعرف أن الفيلم عمل ثقافي يعبّر عن صانعيه. الروس مثلاً كانوا رواداً للفن السابع منذ بداياته، والبلد الذي أخرج آيزنشتاين، ستانسلافسكي، دانجنكو، ولينسكيو يعرف ماهية الفيلم الذي يصلح أن يكون واجهة ثقافية لبلد ما. ومحاولة جمع عدد من المحاولات لشباب وشابات هواة لم يجدوا دعماً البتة من الوزارة فقدموا أعمالاً بسيطة، أو ربما رديئة، سيُظهرنا بمظهر الجاهل لقدر هذا الفن، ولا أظن أن هذا هو ما تريده وزارة الثقافة والإعلام من تظاهرتها بروسيا أو غيرها.
وبما أن كل طرح يتقاطع مع السينما محلياً يستحضر ذِكر فوبيا المجتمع تجاهها يضيف (الخواجي) في معرض رؤيته : إنّ التعامل مع مفهوم السينما أو فكرتها اجتماعياً يؤثر بشكل بالغ على تواصل الوزارة بشكل أكبر، ومن هذا التخوف الكبير، أو بُعداً عن وجع الرأس كما يقال، فإن الوزارة تتجاهل السينما رسمياً وبشكل واضح وملموس، إلا في بعض الاجتهادات الفردية التي تُشكر لبعض القائمين على مؤسسات تنتمي للوزارة أو غيرها، كالنوادي الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون، لكن حتى هذه المؤسسات التي تنتمي للوزارة، لا يمكنها المشاركة في شيء؛ لأنها تفتقد الدعم الذي يمكّنها من ممارسة نشاطاتها الخاصة، ناهيك عن السينما كنشاط حديث في الساحة الثقافية السعودية.
أما (آل عياف) فيجد أن ارتباك الاعتراف بالسينما وليد منظومة من الالتباسات، يقول : نجد قضية السينما لدينا بكامل عناصرها (ثقافة، معاهد، صناعة، دُور عرض، وغيرها) مغيبة بالداخل، ربما تجنباً لمصادمة المعارضين لوجود صالات سينما. تتعامل الوزارة مع القضية بالداخل بشكل عكسي، فالفخر والاحتفاء بالأعمال خارج البلاد يتحول لأمر مسكوت عنه. لكننا يجب أن نفرّق بين فيلم سعودي وصالة عرض سينمائية. الفيلم السعودي بدأ قبل الصالة ولم يقف ينتظرها، ولا أظن أن هنالك أحد يعارض وجود أفلام سعودية هادفة توصل صوتنا وصورتنا لغيرنا. لذلك لا أجد سبباً مقنعاً لعدم دعم الوزارة لمحاولات هؤلاء الشباب سواء عن طريق تنظيم دورات متخصصة، أو ابتعاث الموهوب منهم للخارج للدراسة المتخصصة، أو على الأقل تذليل بعض العوائق، مثل تفرغهم من أعمالهم خلال المشاركة باسم المملكة في المهرجانات التي يحضرونها، ويقومون فيها باستخدام أيام إجازتهم الرسمية لفعل ذلك، أو حتى إعفائهم من دفع رسوم البريد عندما يقومون بإرسال أفلامهم كثيراً للعديد من المهرجانات حول العالم.
وحول المشاركات الخارجية، التي يرتجي منها السينمائيون احتكاكاً إيجابياً يسعى لما يتجاوز مجرد المشاركة، يذكر (الخواجي) حول ذلك : أعتقد أن الغالب من الزملاء والأصدقاء الذين أعرفهم من الوسط السينمائي، الذي يستوي على سوقه، لا يمانعون من المشاركة عبر مهرجانات الوزارة ومناسباتها الدولية، فهم يتفهمون تناقضات المجتمع قبل تناقض الوزارة في المقام الأول، ويدركون أن النجاح في الخارج سينعكس جبراً على الداخل، لكن المؤلم هو التجاهل حين العودة إلى الوطن بصورة مستغربة، حتى في أقل الاهتمام، والذي تستطيع الوزارة أن تعبر عنه بعيداً عن الإثارة والجدل.
أما (آل عياف) فينحى في معرض ذلك للحديث عن المشاركات في مهرجانات عربية وعالمية في ظل محدودية اهتمام الداخل، يقول : رغم أني دعيت لعدد كبير من المهرجانات، ولازلت أتلقى الدعوات من مهرجانات كثيرة حول العالم، إلا أنني أنتظر اليوم الذي أُدعى فيه لحضور مهرجان للفيلم السعودي في بلدي. لدينا أكثر من 30 فيلماً سعودياً قصيراً، معظمها تم عرضه خارج البلاد، ما الذي يمنع إقامة مسابقة أو تظاهرة سعودية تتيح للمشاهد والمشاهدة السعوديين التعرف أكثر على هذه الأفلام التي يقرأ عنها في الصحف؟وبعبارة تصنع حلماً أكثر واقعية من مجرد حالمية، يضيف : بدأنا دون دعم، ولن يضيرنا الاستمرار دونه في تقديم ما نظنه جاداً وجيداً. لكن لأن العالم أصبح ينظر من خلال أعمالنا _رغم بساطتها_ إلى مجتمعنا، فإن دعم الوزارة لنا سيعود بالنفع أولاً عليها هي قبلنا.
وعما إذا كانت هناك خطوات عازمة من السينمائيين لمطالبة الوزارة بالاعتراف بهم ودعمهم بوضوح، يجيب (الخواجي) : لا تبدو الفكرة مطروحة من قريب أو بعيد؛ لأن إيماننا الداخلي ينبع من بروزنا عبر أعمالنا، والكثير من الشباب لا يزالون يرون أنفسهم هواة، وأن الوقت للاحتراف يتشكل على مهل، وأن منطلقهم للعمل مازال يدور ضمن إمكانياتهم المتاحة، بخاصة أن الشباب يعتمدون الأفلام القصيرة في مسيرتهم الحالية، ورغم كل هذا فإن اعتراف الوزارة يضمن اعترافاً من المجتمع على المدى المتوسط. وفعلياً تلاؤمنا وقدرتنا على العمل في وسط تناقضات الوزارة والمجتمع بأسره لا يجعل الموقف محتداً تجاه ذلك، بل يمكننا من تفهم هذا الاختيار غير الحكيم في تعزيز هذا التناقض رسمياً.
* * *
«رميات ورُماتها»
((شدد الوزير مدني في كلمة له خلال استقباله أمس والوفد المرافق على أهمية عدم التمييز بين ما هو إعلامي وما هو ثقافي والنظر إلى الإعلام بأنه المنصة التي توصل العمل الثقافي لجمهور أكثر، وتطلع إلى أن يكون هناك تعاون بين البلدين في «مجال السينما» و»استفادة السعودية من السينما التونسية» التي لفتت الأنظار لجودتها... .
وقد اتفق الجانبان السعودي والتونسي خلال جلسة المباحثات على تكوين فريق عمل لبحث الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال وخاصة ما يتعلق بإقامة تعاون مشترك بين البلدين في مجال «الإنتاج السينمائي» والكتاب وكيفية وصول نتاجه إلى كلا البلدين)).
تونس_واس4 يونيو 2005م
((إن لم ينل «السينمائيون السعوديون» الاهتمام في عهد معالي الوزير الحالي إياد مدني كجزء من اهتمامه بثقافة الصورة، وتحديداً السينما، فلا أعتقد أنهم سينالونها في وقت آخر قريب. فالوزير ذو رؤية واعية ومنفتحة بشكل جميل لكل الفنون))
المنتج السينمائي صالح الفوزان
جريدة الوطن_6يونيو 2006
((أتمنى أن ندخل في فنون السينما وبالذات السينما التوثيقية بحيث نشاهد أفلاما تصور الحياة العامة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتاريخية... .أتصور أن وزارة الثقافة والإعلام يتمثل دورها في ألا تعطل أو تربك أو تكون لها وصاية أو تتدخل في هذا الشأن أو ذاك. لها أن تحمي، وأن تساعد)).
د.أبو بكر باقادر_وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية
جريدة الجزيرة_23يناير2006
((أكّد الزميل قصي البدران، في مداخلته، «ضرورة الاستفادة من السينما» موضحاً أن هناك ميزانية مهدرة بسبب ذهاب 30 ألف أسرة يومياً عبر جسر الملك فهد إلى مملكة البحرين المجاورة، «ثلثهم تقريبا من أجل المشاهدة السينمائية». وطالب البدران بضرورة إعادة النظر في إنشاء دور سينما تعرض الأفلام الوثائقية والتاريخية برسوم رمزية))
في لقاء جمع الوزير بحشد من مبدعي الشرقية
جريدة الوطن_14 يوليو 2005
((ومن المؤسف أنني لم أر الوليد الجديد الذي طالما اشتقت إلى رؤياه، فهو يُعرض في «البحرين» كما كتبت الصحف، ولعل وزيرنا المقدام معالي الوزير إياد مدني يسمح بعرضه في «السعودية» على شاشة التلفزيون لنرى وليدنا الجديد...ونقدم له النقد البناء فيما يستحق النقد))
عبد الله باجبير_حول فيلم (كيف الحال)0
جريدة الاقتصادية_5نوفمبر2006
((عبّر سالم عن شكره وتقديره للمسئولين بوزارة الثقافة والإعلام، وعلى رأسهم إياد مدني وزير الثقافة والإعلام، والدكتور أبو بكر باقادر وكيل الوزارة للعلاقات الثقافية الدولية، وذلك على دعمهم وتشجيعهم لصناعة «الفيلم السعودي» في المحافل الدولية))
جريدة عكاظ_18يونيو2007
* * *
«التجاهل ثيمة عربية!»
على صعيد الوطن العربي، بمختلف أقاليمه التي شهدت حراكاً فنياً شكل إرثاً ثقافياً حقيقياً في صناعة السينما على مستوى الخصوص، يلمس المتابع تراجعاً كبيراً في اهتمام المؤسسات الخاصة والعامة العربية بالسينما باعتبارها منتجاً ثقافياً مهمّا، في حين تتكاثر المهرجانات السينمائية العربية طردياً بتسارعٍ يباركه البعض، وينتقده أكثرية.
حول ذلك يكتب الصحفي (أمير العمري) مراسل بي بي سي العربية في لندن: بعد أن كان لدينا مهرجان قرطاج يقام بالتبادل مع مهرجان دمشق كل عامين، ثم مهرجان الإسكندرية ومهرجان القاهرة ومهرجان تطوان، أصبح هناك مهرجان دبي السينمائي، ومهرجان مراكش.. والبقية تأتي. والملاحظ أن هذه المهرجانات لا تخدم الهدف الأساسي منها، وهو التعريف بالسينما المحلية _مهرجان دبي يقام في دولة ليس فيها إنتاج سينمائي أصلاً_ ودعمها وفتح نافذة لها على العالم، وتوفير الاحتكاك بين السينمائيين المحليين وجمهور البلد المنظِّم وبين السينمائيين من العالم وأفلامهم التي تعكس ثقافات أخرى، بغرض التحاور والتواصل.
كما يردف: ويكفي أن نعرف أنه لا يوجد مهرجان سينمائي واحد في العالم العربي يخصص جائزة حقيقية لدعم مشاريع الأفلام الجديدة الجريئة، عن طريق تخصيص مسابقة للسيناريوهات الجديدة تكون جائزتها مثلاً تمويل إنتاج الفيلم، أو المساهمة بحصة ما من تكاليفه على الأقل، على غرار ما يحدث في مهرجان روتردام السينمائي الذي يفخر بأنه لا يدعم فقط التجارب الجديدة من السينما الهولندية، بل ومن العالم كله.
* * *
«ما يحاذي الطرح ولا يقطعه»
(لدينا الفن لكي نموت بسبب الحقيقة) هي مقولة للفيلسوف الكبير فردريك نيتشه، إلا أن غياب صناعة جماليات الفن بأسس فاعلة ومدعومة لدينا لا يمكننا اعتباره منحى لحياة ملؤها واقع لا يمسسه الموت الذي يذكره نيتشه، بل ربما نحن متجهون لموتٍ مجازي بسبب ما نفتقر إليه تذوقاً وحضورا. وتظل قضية السينما كقيادة المرأة للسيارة معلقتين حتى إشعار آخر.