وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الأحد، جمادى الآخرة ١٦، ١٤٢٨

حوار// ناقدة أدب الطفل وعضو أدبي الشرقية د. صباح عيسوي


ناقدة أدب الطفل وعضو أدبي الشرقية د. صباح عيسوي:
أرفض وصف فعاليات الأندية بالأكاديمية النخبوية
نعمل على أن تشمل أنشطة النادي برامج موجهةً للأطفال

حوار – منال العويبيل

هي من القلائل اللاتي أولين أدب الطفل اهتماماً كرّس نشاطها النقدي نحوه ، وانتهى بنيلها أول شهادة دكتوراه في المملكة بهذا التخصص، إضافة لعلاقتها بفنّ الترجمة عبر إنجازات بحثية مميزة. فنجد د. صباح عيسوي ممسكة بتلابيب دورها الأكاديمي كعضو هيئة التدريس بكلية الآداب للبنات بالدمام، ودورها كعضو لجنة أدبي الشرقية، إضافة لنشاطاتها الفاعلة عبر الملتقيات الثقافية المختلفة عبر الوطن. وبالتالي نلتقيها اليوم لاستجلاء رؤاها الإبداعية حول هذه الأدوار.
* بعد إقرار التغييرات في الأندية الأدبية عُلِّقت الكثير من الآمال تجاهها بأن تكون حاضنة لكافة أطياف الثقافة العامة والأنشطة الاجتماعية..أليس في ذلك إثقال على جهة واحد لتبني كل هذه الأدوار ؟ كيف ترين الأمر؟
- أثيرت مسألة حدود دائرة أنشطة الأندية الأدبية مراراً في الإعلام المحلي، ومن خلال الحوارات والمداخلات التي تتخلل فعاليات النادي؛ وبدا أن الرأي العام ينقسم فيها ما بين مؤيد ومعارض.لا شك أن المؤيدين لهذا التوجه الشامل ( وأنا واحدة منهم ) ينظرون إلى الأدب بمفهومه العام، وإلى وظيفة الأندية كدُور قائمة على الثقافة. ولا أرى أن نحصر أنفسنا تحت المسميات، وبالتالي نحشر ثقافتنا في زوايا ضيقة. فسواء كان مسمى هذه المؤسسات أندية أدبية أو أدبية ثقافية ( كما كان في السابق ), أرى أن دورها ثقافيا أولا وآخرا.. ولا شك أن هذه النظرة الشمولية لمسئولية الأندية تجعل حجم العمل المناط بأعضاء إدارة الأندية كبير، ولكنه كما خبرته من خلال عضويتي للجنة النسائية، وجماعة الترجمة بنادي الشرقية، يدخل تحت مفهوم العمل التطوعي.. الذي نؤديه لنساهم في الغرس والعطاء ولجني الثمر.
* تضم اللجنة النسائية بالنادي لجنة تهتم بأدب الطفل.. إلى أي حدّ يوجد قصور في الاهتمام بهذه الفئة في ظل ما يدأب عليه إعلامنا من توجيه الخطاب الوعظي للراشدين باسم الاهتمام بالطفل؟
- تبنت اللجنة النسائية أنشطة ثقافة الطفل مؤخراً بعد أن حلت لجنة الطفل بالنادي؛ أعتقد أن بناء ثقافة جيل المستقبل يبدأ برعاية طفل اليوم، وبالتالي ندرك أهمية التركيز على الطفولة كشريحة مستهدفة من قبل المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتربوية. والإعلام له دور رئيس في التوعية بضرورة الاهتمام بالطفل، وكل من يدلي بدلوه، فهو إنسان يحس بمسئوليته ودوره في بناء جيل المستقبل؛ ولكن كيفية صياغة الخطاب، وتخيّر الأسلوب الفعال، عنصر أساس في إيصال الرسالة، وضمان تحقيقها التأثير المطلوب.. وهو فن قائم بذاته تقام له دورات وورش عمل، والمؤسسة الإعلامية الجيدة لا بدّ أن تحرص على إكسابه للعاملين بها.
* يرادف أدب الطفل عند بعض المبدعين محاولات ذاتية يسطّحون فيها إنتاجاً لهم.. ولذلك تفشل حتى الأسماء الكبيرة في تقديم مواد مناسبة للأطفال.. إلى أي حد يمكن للجنتكن إيصال الرسالة الصحيحة لمختلف فئات المبدعين حول ذلك؟ وما هي الآلية المناسبة لتحقيق هذا الهدف؟
- أرى أن أدب الطفل المحلي في نشأته وتطوره عانى من مشكلتين رئيستين: فكثير مما كتب للطفل لا يرقى بعناصره إلى المستوى الفني المطلوب، ولا يقدم للطفل أدباً راقياً يخاطب إدراك الطفل ووجدانه؛ من ناحية أخرى نجد نماذج أخرى فشل أصحابها في معرفة خصائص الطفولة، فكتبوا للطفل بأسلوب يقترب من أسلوب كتابتهم للكبار.. فلم يتفاعل معه الطفل. ولكن العقد الأخير شهد طفرة واضحة في أدبنا المحلي الموجّه للطفل في شكله وأسلوبه ومحتواه.أما عن دور النادي في ذلك، فهو ما أسعى إلى وضع تصور عنه، وتقديمه لمجلس الإدارة، ومن ثم تداوله بين الأندية الأدبية في المملكة. وللنادي دور جوهري في الارتقاء بأدب الطفل عبر آليات متعددة منه: إيجاد حلقة وصل بين الكتاب المخضرمين منهم والناشئين, استقطاب النقاد والناشرين والمهتمين بأدب الطفل، عقد فعاليات خاصة بادب الطفل، إقامة ورش عمل في الكتابة للطفل، تقديم التوجيه للكتاب الناشئين.. ونحرص دائماً على الإعلان عن هذه الفعاليات بطرق عديدة، وتوجيه الدعوة لمن لدينا قائمة بأسمائهم وعناوينهم لحضور الفعاليات والاستفادة مما يقدم فيها. وقد عقدت اللجنة في الفترة الماضية ندوتين خاصتين بالطفل استضافت فيهما أسماء لامعة لمبدعات وفنانات وناقدات في مجال الكتابة والرسم للطفل.
* هل استقطاب جمهور من الأطفال لحضور فعاليات النادي من ضمن الأهداف؟ وبالتالي ما نوع النشاطات التي قد تكسب جمهوراً بمختلف الفئات العمرية بنظرك؟
- هذا ما نسعى إليه من خلال خطتنا للبرامج القادمة. فمن أجل تحقيق دعم حقيقي لثقافة الطفل نوجّه برامجنا للراشدين الذين تناط بهم مسئولية رعاية تلك الثقافة، وفي ذات الوقت نعمل على أن تشمل أنشطة النادي برامج موجهةً لشريحة الأطفال من أجل المساهمة في تطبيق ما ننادي به عبر أنشطتنا المنبرية برفع المستوى الثقافي للأطفال. وفي هذا تتعاون جميع اللجان في النادي كل في مجاله لعمل برامج وأنشطة خاصة بالطفل. بداية, هناك أفلام للأطفال ستُعرض في النادي خلال العطلة الصيفية يحضرها جميع أفراد الأسرة: الأطفال وأمهاتهم في القاعة النسائية، والآباء في القاعة الرجالية. كما تخطط اللجنة النسائية لعدد من الفعاليات، مثل: ورش عمل متنوعة، وحلقات قراءة قصص للصغار خلال العطلة الصيفية، وسيتم الإعلان عنها فور الانتهاء من الإعداد لها. كما تهتم اللجنة بفئة الفتيات والفتية من خلال تشجيع المبدعين منهم بعرض أعمالهم الإبداعية في الأمسيات, ونعتزم إعداد مسابقة في الكتابة الإبداعية لطالبات المرحلة المتوسطة لاكتشاف الموهوبات ورعايتهن. وقد تم الإعداد لتنظيم ورشة عمل في مهارات التفكير الإبداعي تقام في المؤسسات التي تخدم الشابات، أقوم بها بالتعاون مع عضو اللجنة النسائية الفنانة التشكيلية عصمت المهندس. ومن مشاريعنا المستقبلية إنشاء مكتبة خاصة بالطفل في المبنى الجديد للنادي تقام بها أنشطة متعددة للطفل.
* كناقدة ومتخصصة في أدب الأطفال.. هل من توجهات لاستقطاب أسماء واعدة للكتابة للأطفال، بحيث ترى إنتاجاتهم النور تحت مظلة النادي، وبعد مرحلة نقدية تقييمة من قِبلكم؟ وما أبرز معوقات مثل هذه الخطط؟
- كما أسلفت, هذا ما نصبو لتحقيقه، وما يتم التخطيط له ضمن برامج النادي المتعددة في مجال النهوض بأدب الطفل، وتشجيع الكتابة والرسم له. وأرى أن وجود القاص جبير المليحان _ وهو كاتب قصة الطفل _ في رئاسة النادي سيسهم بإذن الله في وضع النادي بصمة واضحة في مجال أدب الطفل. بصراحة، لا أرى معوقات بارزة لتحقيق هذه التوجهات؛ لأنها تدخل ضمن أهداف النادي، ومجال عمله.
* ذكرتِ سابقاً أننا بالغنا في التأكيد على البيئة المحلية، حتى أُكِّد على سبيل المثال في شخصيات قصص الأطفال على الثواب والعقاب، في سبيل إضفاء صفة المحلية، إلا أنكِ حبّذتِ خروج مثل هذه الانتاجات بصفة عمومية أكثر..سؤالي هنا هل تلمسين مثل هذه التوجهات في أنشطة وفعاليات الوسط الثقافي المحلي عامةً؟ بمعنى هل هناك هوس بتأصيل فكرة الخصوصية والمحلية لكسب رضا الفئات المرتابة تجاه الانفتاح؟ وضحي لنا رأيك حول ذلك.
- لا أعتقد بوجود هذا الهوس.. ولا أرى أنه ظاهرة. حسب ما أذكر أنني طرحت هذه القضية في ورشة عمل بمكتبة الملك عبد العزيز بالرياض حضرها لفيف من معلمات رياض الأطفال، فوجهتُ الخطاب لهن؛ لأني من خلال زياراتي للمدارس والفعاليات الخاصة بالطفل اطلعتُ على القصص التي تكتبها المعلمات، أو تعيد صياغتها، وكذلك الأنشطة اللاحقة لسرد القصص، ولمستُ إصرار بعضهن على تأكيد سمة المحلية في القصص المقدمة من حيث الشخوص، والمكان، والحدث.. بالطبع لا بدَّ أن نقدم البيئة المحلية المألوفة للطفل، ونحرص على تنمية انتمائه لها؛ لكن في نفس الوقت لا نريد أن ننشىء حالة من الانغلاق والتقوقع لدى جيل المستقبل.. ومن ناحية أخرى لا نقبل أن يتسم أدبنا بمحلية ضيقة يعجز معها أن ينطلق إلى فضاءات رحبة واسعة.
* تأتين من خلفيّة أكاديمية لا يُختلَف على تميّزها.. إلا أنّ البعض كثيراً ما ينتقد عبر الإعلام تكريس الأندية الأدبية للأطروحات الأكاديمية النخبوية ممثلة بأعضاء اللجان الأكاديميين.. ما رأيك بمثل هذه الانتقادات؟ وما أسبابها؟
- لا أحب التصنيفات بجميع أنواعها، خاصة المتعلقة بتقسيم المثقفين إلى فئات.. أعتقد أنها أحد أسباب الفرقة في مجتمعنا. إذا نظرنا لأعضاء إدارة الأندية الأدبية في المملكة بوجه عام نرى أنهم ينتمون لمؤسسات ثقافية وإعلامية وتربوية مختلفة؛ وأنا أتابع فعاليات تلك الأندية، ولا أوافق على وصفها بـ «الأكاديمية النخبوية» . أرى ان الإعلام هو الذي يروج لمثل هذه الاتهامات، وينجرف وراءها من هو غير مطلع على أنشطة الأندية، ولا يتسم بالوعي الثقافي.
* فعلياً هل ترين أن مؤسساتنا الثقافية والقائمين عليها خرجوا من مرحلة التنظير وشعارات التغيير إلى الحراك الفعلي؟ كيف ذلك؟
- هناك حركة ثقافية ملموسة تسير على أرض الواقع، وفي مسارات مختلفة, بعضها يسير في اتجاه غير واضح، وبعضها الآخر يخطو باتجاه الوصول لنشر الوعي وتأصيل الثقافة؛ واختلاف الرؤى يخلق في حاضرنا حالة من الفوضى والصراع.. آمل أن نتجاوزها سريعاً لننتقل إلى حالة من الانسجام بين التوجهات، وتوحيد الأهداف، والتخطيط المدروس لكيفية الوصول إليها.