وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الأحد، شوال ١٤، ١٤٢٧

حوار// مع الفنانة التشكيلية هدى العمر

اليوم الثقافي


الفنانة التشكيلية هدى العمر:



اللوحة تنتهي غالباً بغير ما توقعه الفنان



الرياض - منال العويبيل



بعد مشاركتها المميزة في الجناح التشكيلي للملحقية الثقافية في معرض الاسكندرية الأول للكتاب، والذي سبقه معرضها الشخصي الأول في القاهرة، عادت التشكيلية السعودية هدى العمر إلى مدينة الرياض بوابل من التعب والفرح بمشاركتها المميزة باسم الوطن واللون، وكان لنا معها هذا الحوار حول مشاركتها، وأمور أُخرى.


ـ حدثينا عن تجربتك في معرضك الأخير (عناق الأعماق) و سرّ «مصر» كخيار لعديد من معارضك؟


- (عناق وأعماق) هو معرضي الشخصي الأول بمصر، و عرضت من خلاله 42 عملا فنيا عانقت من خلالها لوني، و ذاب وجداني في أعماق مياه الجزيرة العربية، فعبرت بذلك عن معاناة المرأة، ومثّلتها بكائنات البحر الهلامية المضيئة الشفافة التي تمثل رهافة مشاعرها وقوة إرادتها معا.
وقد أضافت هذه التجربة الكثير لي، خصوصا الندوة النقدية التي صاحبت المعرض، ويعد هذا المعرض أول معرض لي في مصر، أما مشاركاتي السابقة في مصر فكانت مشاركات جماعية تمثل معارض وطنية.


ـ من خبرتك في المشاركات الخارجية ما مدى الاختلاف عن المعارض المحلية.. حيث يمكن اعتبار متذوقي الفن التشكيلي محدودين؟


- كما تفضلتِ وذكرتِ إن متذوقيّ الفن التشكيلي المحلي محدودون، فهذا ينطبق على العالم العربي، وباستثناء هذا، فالمعارض الخارجية أكثر حضوراً وإقبالاً وتذوقاً ونقداً وتقديرا.


ـ تطارد الفنان التشكيلي الصورة الكلاسيكية التي تظهره بنوع من الهوس الفوضوي: لطخ البالطو.. الفُرش الشعثاء.. أعقاب أنابيب اللون.. مساهرة اللوحات حتى تنتهي... كيف هي طقوسك؟


- هذه الطقوس جميعها موجودة فعلا عندما أعمل في مرسمي لدرجة أن الأهل أحيانا يستغربون من أن الألوان وصلت إلى فمي وشَعري، وأنا أحيانا لا أدري كيف؟ ، ولكن هذا لا ينطبق عليّ عندما أكون خارج مرسمي.


ـحين ترسمين فكرة.. أتراكِ تبدئينها أم تنتهي؟ بمعنى أتراكِ تنقلين «النيجاتيف» الذي تبدّى داخلك فترسمينها كما تخيّلتِها؟ أم تشرّعين الباب لخيارات أخرى أثناء الرسم، فتنتهي اللوحة لغير ما توقعتِه؟


- غالباً تنتهي اللوحة بغير ما توقعه الفنان، أو خطط له، فالمضمون موجود، ولكن لا يمكن للفنان أن يكون على علم مسبق وتصور كامل بالصورة النهائية للوحته، وأحيانًا تؤدي العشوائية في أدائه إلى نتيجة مُرضية.


ـ يغلب أن يكون لكل مبدع فلسفة خاصة تتسرب بوعي أو بدونه للعديد من أعماله.. كيف الأمر بالنسبة لك؟


- بلا شك هناك فلسفة خاصة بي في أعمالي، ولكن يصاحبها وعي.


ـ في عالم الأدب ظهرت موجة تؤيد دراسة الأدب العربي والتثقف بأصول النحو والبلاغة ليكون الكاتب مجيداً؟ هل من الممكن عدّ الأمر سيانا للفن التشكيلي؟ هل دراسة الفن أكاديمياً عامل معزز للفنان؟


- الفن لا يختلف كثيرا عن النص الأدبي، أو الشعري، ولكن الثقافة والاطلاع يعززان أي موهبة.... وما ذكرتِه نقطة جدلية مهمة ناقشها أحد النقاد معي في لقاء تلفزيوني، وذكر إن الفن موهبة بدليل فناني الفطرة، أو رسومات الأطفال الموهوبين، وإذا تحدثنا عن الفن الفطري، أو العفوي، فإن فنانيه اكتشفوا خاماته الخاصة بهم، ونهجوا أسلوباً خاصاً في أعمالهم، وإذا طلب منهم رسم موضوع موحّد بأسلوب أكاديمي لن يستطيعوا إتقانه على حين أن الدارس يستطيع رسم كل شيء.

ـ متذوق الفن المعاصر يتحير لكمّ النزعات والاتجاهات التي يتميز بها هذا العصر.. حتى ليكاد يصبح لكلِّ فنانٍ اتجاه خاص به.. فمن أي منطلق تعزين هذه الكثافة؟


- هذا فعلا ينطبق حاليا على الفن المعاصر, وأنا لست ضده طالما أن هناك فكرة ومضمونا، فالفن يتقدم بتقدم العلم والتكنولوجيا، ولكل عصر رواده.


ـ يقال: أصدق الشعر أكذبه.. ما ترينه أصدق الرسم؟


- أصدق الرسم .. ما يداعب خيالي.


ـ إذا كان للناقد الأدبي مبضع.. هل يطارد الناقد التشكيلي العمل الفني بازميل؟ كيف علاقتك بالنقاد الفنيين؟


- النقد ليس مطاردة.. فمفهوم النقد هو تحليل الناقد للعمل الفني، وإظهار مكامن سلبياته وإيجابياته معاً، وتقع على عاتق الناقد مهمة تقريب المتذوق للعملية الإبداعية التي مر بها الفنان، فنتج عنها عمله الفني. هناك فرق كبير بين النقد والانتقاد. أما عن النقاد، فإنهم قد يفضّلون الثانية، وليس الأولى.


ـ غالبا يكون اهتمام المثقف المعاصر بالفن التشكيلي درجة ثانية بعد الكتب.. من برأيك يُعد متذوقا لهذا الفن كخيار أول له، ومن ثمّ البقية من بعده تأتي؟


- المتذوق الأول إذا تجاوزنا الفنانين هو من يمتلك ذائقة بصرية عالية، وزار متاحف ومعارض عالمية، ويتمتع بحس فني راق، ويقدّر العملية الإبداعية.


ـ يقول طاغور: إن العقل ينفصل عن الأشياء؛ ليدركها كراصد لها، في حين يحب القلب الأشياء، فيعرفها بالاتحاد معها.. من منطلق هذه العبارة، هل تؤمنين بإمكانية تقييم جماليات العمل الفني بطابع موضوعي يؤمن بخارجية الجمال، وكيانه المستقل عقلياً؟


- إنني أؤيد: (حين يحب القلب الأشياء يتحد معها)، فالفنان يتحد قلباً وفكراً مع عمله الفني.