وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الثلاثاء، رمضان ١٧، ١٤٢٧

حوار// مع طارق العتيبي مؤلِّف رواية «شباب الرياض»0


اليوم الثقافي


طارق العتيبي مؤلِّف رواية «شباب الرياض»0:


أعترف باستفادتي من عنوان الصانع ، وأستغرب الحملة عليه !


حاورته: منال العويبيل


يرفض عديدٌ من شرائح المجتمع مدّ الروائيين الجدد حالياً، والقائم على تعرية ما يرونه من عيوب، أو إشكاليات تتعلّق بتزمّت التقاليد الموروثة.. بانين بعضاً من أسبابهم على أنّه تشهيرٌ بخصوصيات المجتمع، وخروجٌ عن رَدَّةِ الفعل المعتادة التي غالباً ما تنتهج الصمت، أو التجاهل، بل حتى الإنكار أحياناً!، وكأنَّ هناك نوعا من الخشية التي ذكرها (نيتشه) حين يقول: إنّ المرء ينسى غلطته عندما يعترف بها لآخر، ولكنْ عادةً لا ينساها الآخر، وبالتالي يتهيّب أولئك من انتقاص الآخرين لنا.. في وقتٍ مازال يؤمن فيه الكثيرون بأنّا مجتمع مثالي!
طارق العتيبي اسمٌ انضمّ إلى رَكْبِ الروائيين المحليين مؤخراً بروايته الأولى (شباب الرياض)، التي مازال الجدل حولها متمركزاً حول المسمّى الموازي لأكثر الروايات المحقِقة للجدل في الفترة الماضية (بنات الرياض) لرجاء الصانع، خاصةً في ظلِّ عدم فَسْحِها محليّاً حتى الآن. فمع هذه التجربة البِكْر، وجدليّة الغلبة بين العنوان والمضمون، إلى جانب عدد آخر من التساؤلات كان هذا الحوار:


اليوم الثقافي: يرى البعض أن تكثيف الروائيين الجدد، الذي يهاجم المواريث الاجتماعية المتزمِّتة مؤخراً يُعدُّ هروباً من المواجهة المباشِرة لعيوب المجتمع إلى نوع من التنظير العابر.. فما رأيك؟

- على العكس تماما.. فالعمل الروائي الذي من شأنه نقد السلبيات الاجتماعية نقداً مباشراً إنما هو تلك المواجهة المباشِرة بأمِّ عينها، وقد تُصنّف في مجتمع آخر كالمجتمع الأوروبي، أو الأمريكي على أنّها تنظير عابر، فالمتعارف عليه هناك أنّ حديث الابن مع والديه مثلاً مواجهة مباشرة، ونقاش التلميذ مع معلِّمه أيضا مواجهة مباشرة... وهكذا، أمَّا هنا فيجب أن نتحدث بشفافية وبعيداً عن خُرافة المجتمع المثالي التي لم ننل منها غير التخلّف، والتقوقع حول أنفسنا، فنحن مجتمع مازال يَعتبر جدال الولد مع أبيه عقوقا، وتحاور التلميذ مع معلِّمه قلّة أدب!، إذا كانت تلك هي سياسة السواد الأعظم فإنّه مما لاشك فيه أن ميلاد عمل روائي ينتقد تلك السلبيات الاجتماعية إنما هو مواجهة مباشرة.


اليوم الثقافي: استهجن العديد من المتلقين تسمية الرواية.. أليس التوقف الجدلي عند العنوان يشي بقصور النص إزاء ضجّة العنوان نفسه؟

- إنه لمن قِصَر النظر، وسوء التقدير، وحرمان المرء من نعمة التفكّر، والتأمل، والتدبّر أن يحكم على الأمور بظواهرها مهملاً اللب والمضمون، لا أخفيك سراً أنني كنت أتوقع وقوع هذا من غير المثقفين أهل الدراية والعلم، ووقع، أمّا أنْ يصلني مِنْ أحدهم أنّ روائيّاً ينتهج هذا النهج السطحي، فتلك مصيبة، أقول مصيبة؛ لأنّه عضو في نادٍ أدبي بمدينة تُعتبر واجهة للمملكة، وذلك سلوك أحمق أتمنى أن لا يكون نهجاً وديدناً لجميع أعضاء ذلك النادي؛ لأنّه إن كان كذلك فمُصابنا في ثقافتنا جلل.


اليوم الثقافي: برأيك ما سرّ الرياض كـاسم يجلب معه كل هذا الجدل، والدعاية الشعبيّة الآن؟

- أنا لا أرى ذلك السر، فإن كان كذلك لكنت من المتحمسين لاقتناء صحيفة الرياض يومياً.


اليوم الثقافي: حين تخرج فتاة لتكتب (بنات الرياض)، ويتصدّر شاب للكتابة عن (شباب الرياض).. هل يعزز فكرة أن لــمكّة - من الجنسين - أهلاٌ هم أدرى بشعابها؟ بمعنى هل المجتمع بهذا الاستعصاء المنقسم؛ ليكتب كل شقٍّ عن بني جنسه بما يشبه التخصص؟

- هذا صحيح.. ودعيني أعطيك مثالاً على ذلك : في المنزل نجد أن هنالك فجوة عميقة بين الأخ وأخته، فكلاهما بعيد عن قضايا الآخر بُعد أبي الهول عن سور الصين العظيم، ولاشك في أنّ ذلك من نتاج تربية الوالدين التي تنم عن ثقافتهما أولاً، وأخيرا.. في مجتمعنا تلك هي القاعدة، ولكلِّ قاعدة شواذ، ناهيك عن حساسية العلاقة بين الشاب والفتاة في مجتمعنا المحافظ، تلك الحساسية التي جعلت من إلمام كل جنس بقضايا الآخر، وهمومه ضرباً من الخيال، وخارقة من خوارق الطبيعة، ونواميس الكون، وما تلك المحاولات منّا ككتّاب شباب، ومن زميلاتنا الفتيات إلا لبنة أولى نضعها لجسر التواصل فيما بيننا؛ كي يتعرّف كلٌّ منّا على الآخر، أنا مؤمن بمبدأ الخصوصية، ولكن أن نخفي مصائبنا بحجة الخصوصية فهنا نقيم الحجّة على أنفسنا بما يُسمى الانغلاق.. ذلك الانغلاق الذي يُخفي عن المجتمع عيوبه التي لابد أن تتم تعريتها لعلاجها للوصول في النهاية إلى مجتمع متقدم قادر على مواكبة العصر.


اليوم الثقافي: بصراحة.. هل السبب الحقيقي لتغيير روايتك من (شباب شقّة 6) إلى (شباب الرياض) هو الجذب الدعائي؟

- الجذب الدعائي، لا.. ولو كنت ممن يبحثون عنه لوجدته في أحد الأسماء المعروفة لتقديم روايتي كما هو دارج ومعتاد، ولكن - وبكلِّ صراحة - عندما قدمت رجاء الصانع (بنات الرياض) كانت كمن بعثته لي السماء ليقول لي : خذ.. هذا عنوانك، فلماذا يضعني البعض بصورة المتهرب، والمراوغ من هذا القول ؟! هأنا أقول للجميع : نعم، استفدت من عنوان رجاء الصانع، والفطن هو من يطلع على تجارب الخَلْق؛ ليأخذ منها ما يستفيد منه ويُفيد به، واستغرب صراحةً هذه الحملة على العنوان، فأنا أقسم بالله أنّي لم أتحدّث عن (شباب مراكش)؛ لأضع عنوان (شباب الرياض) للترويج الدعائي.


اليوم الثقافي: رأى العديد أن اختيارك للتسمية يُعدّ تسلّقاً من قِبَلِك كـاسم روائي جديد للنجاح المهول لـ (بنات الرياض)، فكيف تثبت نقيض ذلك؟

- أقول لهم ما قاله أبو الطيب المتنبي:
وإذا خفيت على الغبي فعاذر * أن لا تراني مقلة عمياء

ُوأذكر هنا بالمناسبة مقولة لنزار قباني التي يقول فيها: نحن أمة لا تقرأ القصيدة، بل تقرأ الأخطاء في القصيدة.إنهم يبحثون عن أخطاء الكاتب، والشاعر، ولا يهتمون بالنص جملة، تلك آراء طفيلية لا يؤخذ بها، ولا رجاحة لها لدى أهل الذمم بكل تأكيد.


اليوم الثقافي: هل أثّر انتماؤك القَبَلِي على كمِّ، أو كيفية الهجوم على ما طرحته من تعرية في نصك للإشكالات القَبَلِيّة في المجتمع؟ برأيك هل سيختلف الأمر لو كان الكاتب خضيرياً؟

- نعم.. وتلك هي الضريبة، ولكن لا بأس، فواجبي ككاتب أن أتحدّث عن الحقيقة، وهنا أؤكد وأقول: أنَّ ما لا يتم الواجب إلا به.. فهو واجب.


اليوم الثقافي: هل فعلاً أصبح أسهل طريق للنجاح الإعلامي لرواية منعها محلياً؟

- هذا هو المعتاد بكل أسف.. أقول للأسف لأنني شخصيا كنت أتمنى أن تحتضن مكتبات وطني بِكْرَ أعمالي وأوّلها، لكنها أتتني الرياح بما لم تشتهِ سفني، هم منعوها فكانت تلك الصبغة التي ذكرتها بسؤالك نجاح إعلامي. لا أعلم، قد تكون كذلك على غرار: مصائب قوم عند قوم فوائد ُ.


اليوم الثقافي: لمَ لم تختر ناشراً محلياً تمهيداً لفسح وزارة الإعلام ؟

- صراحة، لا يوجد سبب معين، ولكنها مشورة الزملاء من أهل التجربة في هذا المجال.


اليوم الثقافي: هل تعوّض جرأة الأفكار المطروحة في نص ما عن سطوة اللغة، أو الحذق السردي الكاسر لما اعتيد من أساليب؟

- الجرأة، وسطوة اللغة.. أمران غير حتميين في الرواية، هكذا تعلّمتُ من قراءاتي للرواية الغربيّة، ولكي أكون أكثر تحديداً قراءاتي لـ (تشارلز ديكينز)، أستغرب حاليا حينما أسمع أن الرواية السعودية ليست إلا تنافساً لغوياً بين كاتب وآخر، وهنا يأخذنا الحديث عن (علماء نَحْوٍ لا روائيون). هذا ما أراه، وأؤمن به، فالروائي لابد أن ينتبه في عمله إلى الحكاية ببساطتها الممتعة، فأنا أخجل والله من أن أجبر القارئ الذي يقرأ لطارق العتيبي أن يُحضر معه القاموس المحيط وهو يقرأ (شباب الرياض) مثلاً، فالإبداع ليس أن تُعجز الخلق عن فهم مبتغاك.. بالعكس، الإبداع هو أن تصل إلى كلِّ الناس على اختلاف فئاتهم العمرية، والثقافية هذا بالنسبة لسطوة اللغة، أمّا الجرأة، فلا بأس أن يأتي العمل جريئاً، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون العمل جريئاً ليصبح عملا، وبالنسبة للثلاثي (دين - جنس - سياسة) فلا أراه مقياساً صحيحاً لنجاح الرواية من فشلها.


اليوم الثقافي: كيف تُقنع المتلقي الذي حكم على الرواية من العنوان دون قراءتها بالاطلاع الموضوعي عليها لإنصاف قدرتك السردية فيها؟

- لا يمكن لطارق العتيبي أن يُقنع أحدا ً بات مقتنعاً برأيه ومتمسكاً به، فأنا أولاً وأخيراً أحترم رأيه أيّاً كان ذلك الرأي، ولكني أقول لمن لا رأي له : اقرأ.. فأنت لك كيانك المستقل ووجهة نظرك، فلا تكن كمن وُصِف بالإمّعة.


اليوم الثقافي: لك اتجاهك الشعري، ومع ذلك جاء بِكْر ما نشرته رواية؟ أسيكون للشعر نصيب مع النشر أيضاً؟

- للشعر مبتدأ الأمر ومنتهاه في نفسي وعليها، وبخصوص النشر في الصحف فالكل يعلم مدى المعاناة التي يمر بها الشِعر حاليا سواء في تكوين النص، أو استقباله من أولئك المدّعين للشِعر وما هم منه بشيء، أما النشر كديوان، فأنتظر الوقت المناسب لحين الوصول بالنصوص المناسبة لمستوى ديوان كماً وكيفا.