وَ جَفـَّـتْ الصُحُف

الأربعاء، صفر ٢٩، ١٤٢٧

تحقيق// هل يستعيد الناشر المحلي الإبداع المهاجر؟


اليوم الثقافي
الأربعاء 29 - 02 - 1427هـ
الموافق 29 - 03 - 2006م


السعوديون يشترون 50 بالمائة من الإنتاج العربي المطبوع




منال العويبيل - الرياض

هل يستعيد الناشر المحلي الإبداع المهاجر؟
من أجمل الفرص التي أتاحها معرض الرياض الدولي الفائت للكتاب حضور بعض الإصدارات لمؤلفين سعوديين، التي يمكن وصفها بالإبداع المهاجر/ الزائر أو العائد ربما، وهي الكتب التي اقتصر وجودها مسبقاً على خارج المملكة، بحيث يتحصل عليها القراء المحليون كل على طريقته، أو تتولى توريدها دور نشر خارجية. شملت الإصدارات في المعرض بعض الممنوع مسبقاً، ومنه على - على سبيل المثال - إصدارات لغازي القصيبي، عبده خال، عبدالله ثابت، محمد حسن علوان، رجاء الصانع، بما فاجأ المؤلِّف نفسه قبل المتلقي، فإن كان منعها مسبقاً من قبيل أن الوارد فيها م التابوات التي لا يمكن معها إعطاء الضوء الأخضر لتواجدها محلياً، ما الذي قد يُغري الرقيب تالياً، وبالتالي، يُطمح لخطوات بها من الجرأة ما يفي بتواجد لا يقتصر على المعرض فقط؟ هو تساؤل عن مدى فعلية سعة صدر الرقابة بين ما قبل وبعد معرض الكتاب في الرياض، حيث بات معدوداً كمرحلة انتقالية مازال يتردد صدى تظاهرتها حتى بعد مضي ما يصل إلى فترة الشهر على انقضائه، فما دور الناشر المحلي في الفترة القادمة لاستقطاب الأسماء التي اغتربت إبداعاتها نسبياً في السابق.. لتُنشر عن طريقه محلياً بعد هذا الانفراج الرقابي، في حال كان هذا هو السبب الوحيد للنشر الخارجي؟

سألنا الأستاذ محمد العبيكان مدير دار العبيكان للنشر والتوزيع عن حقيقة ما لامسته دور النشر من انشراح رقابي من قِبَل وزارة الثقافة والإعلام بعد المعرض، وعن مدى جدية هذه الخطوة وعدم اقتصارها على فترة المعرض بما يشابه تغاضي الأب عمّا قد يزجره من فعل / كتاب لاحقاً إبان المناسبات فقط، فبدأ العبيكان بطرح عدد من الحقائق مدعمة بأرقام عن واقع النشر والتوزيع المحلي حالياً، من منطلق أنه خطا بقوة تنافس حتى حضور لبنان ومصر، في ظل ظروف صحية أفرزها السوق المحلي، حيث وصلت الأرقام مؤخراً لنسبة تصل إلى 50 بالمائة تستهلكها السعودية من الإنتاج المطبوع على مستوى الوطن العربي بدون مبالغة وبأرقام حقيقية.
وعلى سبيل المثال مما يحصل محلياً من تظاهرات صحية تتواجد فيها المكتبات بهيئة المعارض الدائمة، بمساحات شاسعة مفتوحة، وتنوع في الطرح يجذب المتلقي.

أما بالنسبة لمرحلة ما بعد معرض الرياض الدولي للكتاب فيرى أنه لابد من إحقاق فكرة أن المرحلة شكّلت نقلة نوعية فعلية، وثورة تجديد للوضع الراهن في مستوى الطرح والتنظيم وفسح الرقابة من وزارة الإعلام والثقافة، الذي لا نستطيع إلغاء حدوده السابقة بقدر ما يمكن وصفه بالأرحب حالياً، مثلاً ما اتضح من أن دور النشر التي تقدمت للمشاركة في المعرض عرضت ما يصل إلى 30 ألف عنوان ، لم يُمنع منها سوى 20، على حين أجيز للبقية التواجد. وذلك لا يلغي أن البعض منها سيتعذر توافره في المكتبات بعد المعرض بحسب نوع فسحه، إن كان مخصصاً للمعرض، أو للرقابة فقط، على سبيل المثال: الفسح الرسمي لروايات غازي القصيبي التي لم تتواجد محلياً في وقت سابق كـ (أبو شلاخ البرمائي) ، ( 7 ) ، ورواية رجاء الصانع (بنات الرياض).وبما يهدف منه بعد هذه النقلة الرقابية في عملية توطين (سعودة نشر) للإبداع الذي كان يستمرئ الطبع الخارجي، يجد العبيكان أنه أمر ولا شك يُطمح له، إلا أننا ببساطة يجب أن نعي الأسباب الأساسية لهذه الظاهرة في ظل وجود ناشرين محليين ذوي سمعة وتسويق جيدين، فمن وجهة نظره يرغب عدد من المبدعين في البعد عن مناظرة الرقابة، أو ما قد يتمسك به الكاتب من مبدأ عدم المساس أو التغيير لأي مما قد يختلف مع الرقيب عليه ولو ببسيط من الحيثيات.
كذلك بعض الاعتقاد السائد بأن الرقيب الذي قد يتولى مؤلَّفه ممن يقلون عنه في المستوى الثقافي مما قد يُجحف في تصوره كتابه. ومن ناحية، يسعى بعض الكتّاب لدور النشر الخارجية بغية الانتشار أو الانطلاق على الصعيد العربي، كنوع من (البرستيج) الذي يصنعه تردد اسم الدار الخارجية. أو أخيراً ، يتجه عدد من الكتاب للنشر الخارجي لمؤلفاتهم التي رفضها الناشر المحلي لضعف مستواها من حيث الجودة أو الاسم، بغض النظر عن حداثة المؤلِّف، أي أن الأمر لا يتعهد الأسماء اللامعة فقط، فدار كالعبيكان تصدر ما يصل إلى 400 كتاب في السنة، بمعدل يمكن وصفه بكتاب أو أكثر كل يوم0

ومن ناحية، يتوج محمد العبيكان رؤيته حول الطرح برغبة صادقة يطالب فيها وزارة الثقافة والإعلام بتشكيل لجنة تبحث فيما مُنع من الإنتاج المحلي الذي يمكن وصفه بالمهاجر، والذي لا يتعدى الـ 100 مؤلَّف لأربعين أو 50 كاتبا سعوديا، بحيث تُشكل لجنة مكونة من مثقفين أكاديميين يتسمون بالوسطية المعتدلة في التناول ينظرون في هذه الكتب وما لها وما عليها، وحقيقة ما إذا كانت مضامينها تمس نواميس يرفض فكرنا الوسطي القدح فيها سواء كان في الدين، السياسة، المجتمع، بحيث يتضح حقيقة رفضها، أما إن ثبت نقيض ذلك فتُفسح، من منطلق هذا الانتعاش الحاصل بعد المعرض، وهي خطوة فعالة ستساهم في توطين الإبداع .

و من ناحية أخيرة، تمنى العبيكان لو أمكن عقد ندوة مفتوحة للكتّاب والناشرين والمهتمين بالشأن الثقافي كنوع من القراءة للمشهد الذي حصل في معرض الرياض وما بعده.


وفي رؤية لعبد الرحيم الأحمدي صاحب ومدير دار المفردات للنشر والتوزيع، حول ما بعد اتجاه للفسح فترة معرض الرياض، من حيث استقطاب المبدع الذي اتكل في وقت سابق على النشر الخارجي، يقول: الدار لا تتراجع أو تتوانى عن طباعة أي كتاب جيد يُفسح من وزارة الثقافة والإعلام، وهذا ما نستطيع في حدوده حالياً، إلا أننا نفتح باب التشجيع للجميع شاملين بذلك الأسماء الشابة القادمة.

ويرى من ناحية، أن التهيب من الرقيب بالاتجاه للنشر الخارجي ليس دائماً مرده حقيقة منع الرقيب بقدر ما يكون أحياناً إحساسا خاصا بالكاتب يتوقع به المنع، وبالتالي يتجه للنشر الخارجي. يضيف: أرى شخصياً أن رواية مثل (بنات الرياض) لا تستدعي البلبلة التي دعت لمنعها، خاصة أنها تتقاطع مع حيثيات في المجتمع بواقعية قد تساعد في العلاج. أظن أنه حان الوقت للمكاشفة الواعية، من منطلق حقيقة مفادها أن مثل هذا الكتاب أو غيره من الممنوع سيقرأها مهتم بالشأن الثقافي، ومدرك لما وراء السطور، وهذا الغالب، وهو ممن يعي الذي وراء ما يقرأه مما لا يستلزم هذا المنع أصلاً، وبالتالي يفعّل ذلك الرقابة الذاتية.

وعن تعرّض الدار في وقت سابق لحالات منع لما رغبت في نشره، يعلق: لم تتعرض الدار لمثل هذه الحالات، إلا أننا كدار نشر نعتبر أنفسنا شركاء للكاتب في المسئولية مناصفة، من منطلق أن الأمر قائم على تعاون مشترك وحقيقي على كافة الأصعدة.

وعما إذا ما كان الوضع بعد معرض الكتاب يشي بمرحلة توطين للإبداع يجيب بتفاؤل بأن وزارة الإعلام وضعت تسهيلات بدأنا تلمسها، ونتمنى من المبدع نفسه التوجه لفكرة النشر المحلي في ظل هذا الانشراح الرقابي والمأمول توسعه، كون الناشر المحلي سيضمن المتابعة المباشرة لإصداره، وتحقيق الرعاية الأمينة التي قد لا يوفرها الناشر الخارجي، الذي يتكل المبدع في تعامله معه على المراسلة في الغالب، والاكتفاء بنسخ القراءة والإهداءات المحدودة للمؤلف، حيث لا تتسم كل الدور الخارجية بمصداقية كافية لخدمة الكاتب، مثل التي سيتكفل بها الناشر المحلي من منطلق المباشرة الحية في التعامل.